عبد القادر الأسمر

تتهدد لبنان في السنوات القليلة المقبلة أزمات اجتماعية خطيرة لا يدرك المسؤولون عواقبها الوخيمة على البلد وهذه الأزمات بعضها أو معظمها من صنع أيدينا افتعلناها واستعصى علينا ايجاد الحلول لها لتجذّرها في المجتمع ولأنها تتخذ عدة أبعاد من أكثرها خطورة البعد الطائفي ولكأنه ينقص لبنان مؤثرات ومؤشرات طائفية تعصف به عند كل أول أزمة.
تشير الدراسات التي تنبري للتعرف الى هذه الازمات أن نحو 30% من الشباب اللبناني عاطل عن العمل، وأن نسبة 40% من خريجي الجامعات لا يجدون أعمالاً توافق شهاداتهم فيقبلون بأي فرصة عمل وهذا أفضل من التسكع والهجرة.
ولا تؤشر نتائج الدراسات على «هوية» هؤلاء العاطلين عن العمل ولا مناطقهم ولا مستواهم الاجتماعي والاقتصادي. ومن يراقب مسلسل التظاهرات التي تقوم بها فئات كبرى تطالب بتحقيق أحلامهم من تثبيت متعاقدين وإنصاف مياومين نعلم هويتهم الاجتماعية والطائفية ونقولها بصراحة وإن كانت مؤلمة وحساسة إن غالبيتهم العظمى من المسلمين الذين حُرموا من حقهم في التثبيت، والّذين يخلّون المناصفة حسب شركائنا في الوطن وزعمهم بأن وثيقة الطائف تتحدث عن المناصفة في الوظائف بين المسلمين والمسيحيين، وفات هؤلاء بأن المناصفة التي تشير اليها الوثيقة هي في وظائف الفئة الأولى والمدراء العامين فقط. إلا أنهم وسعوا دائرة المناصفة لتشمل الفئات الثانية والثالثة والرابعة ويبدو أن التظاهرات المحقة لهؤلاء المصروفين من العمل أو الممنوعين من التثبيت لن تثني المسؤولين وأصحاب القرار عن التصدي للاعتصامات التي يقوم بها مياومو شركة كهرباء لبنان، ولا المتعاقدين في التعليم الثانوي والتعليم الأساسي ولا المطالبين بتعيينهم مدرسين ثانويين بعد فوزهم في مباراة في هذا الشأن، وكذلك الفائزين في مباراة خفير جمركي ولا في وظيفة أمن دولة لأن نسبة المسلمين فيها كبيرة وكذلك الأمر مع العاملين في الدفاع المدني.
وآخر مظاهر الممارسات الطائفية ما أقدم عليه وزير الشؤون الاجتماعية القواتي بيار أبو عاصي بصرف مئات المتعاقدين الذين يعملون منذ سنوات في مشروع احصاء الفقراء ومشروع رصد التحركات السكانية للاجئين السوريين بحجة وقف الهدر المالي، وهذا مخالف للحقيقة لأن حقيقة الأمر أنّ معظمهم مسلمون وأنّ هناك تذرعاً بالمناصفة يعمّمونه على سائر الفئات الوظيفية وهذا منافٍ للحقيقة والواقع إذ كيف نعثر على عدد مماثل من المسيحيين إذا استنكفوا عن الاشتراك في وظيفة فئة رابعة أو جندي في الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي أو معلم في المدارس الرسمية وغاب عن بالهم أن نسبة التوزيع الطائفي في لبنان هي 35% للمسيحيين و65% للمسلمين. ولو طبقنا هذا المبدأ على الوظائف العامة لتغيّرت أوضاع المسلمين ومستقبل شبابهم. وهل ذنبهم أنهم لا يجدون نسبة كافية من المسيحيين الذين يرفضون وظائف الفئة الرابعة والثالثة وحتى الثانية ويحرصون على العمل في القطاع الخاص.
إننا من منطلق المواطنة وإنصاف الجميع ولكي يستشعر اللبنانيون كل اللبنانيين أنهم على قدر من المساواة في الحقوق والواجبات، ندعو إما الى المثالثة بدلاً من المناصفة والتي تعطي كلّ طائفة حقها بدلاً من المناصفة التي تظلم المسلمين، أو ندعو الى «مؤتمر تأسيسي» يراعي أعداد الطائفتين ويحقق لهم العدالة والمساواة في المناصب والوظائف العامة، وهذا ما نرى تباشيره تلوح في الأيام المقبلة.}