بشير البكر

تشهد الفترة المقبلة مواسم انتخابية في عدة بلدان عربية، بعضها رئاسي كما هو حال مصر، والآخر تشريعي في لبنان والعراق، ومحلي (بلدية) في تونس. وما يجمع بين هذه الاستحقاقات أنها تأتي وسط ظروف صعبة، سياسية واقتصادية، تجتازها هذه الدول، وتترافق مع مؤشرات إلى أن المرحلة الجديدة ستكون، في جميع الأحوال، أكثر تعقيداً مما مضى، طالما أن القضايا الكبرى في البلدان المعنية لم يتم حلها، وجرى ترحيلها إلى أجل غير منظور.
في مصر، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تكون جولة الانتخابات الرئاسية في هذه الدورة مقتصرة عليه فقط. ولذلك، لم يتقبل فكرة ترشيح شخصية قوية تنافسه، ومنع من دخول السباق شخصياتٍ وازنة، يمكنها أن تهدد حظوظه، مثل اللواء أحمد شفيق والفريق سامي عنان. وبينما وضع الأول في الإقامة الجبرية، أودع الثاني السجن بتهم ملفقة. وتؤكد القرائن أنه ليس عامل الخوف من الخسارة فقط هو ما دفعه إلى هذا القرار، بل إن امكانية تحول الحملة الانتخابية إلى فرصة لمحاكمة عهد السيسي البائس شكلت عاملاً أساسياً في تحويل المناسبة إلى عرس شخصي، وتركت الحلبة للاعب واحد.
فشل نظام السيسي في مواجهة الخطر الإرهابي والعنف الطائفي، ولم يقدم للمصريين في ولايته الأولى، سوى الوعود الوهميّة. وها هو يستعد لولاية ثانية من أربع سنوات، سوف تكون أكثر قسوةً من سابقتها، وإن كانت لا تبشر بأي ضوء في نهاية النفق المظلم، فإنها تنذر بمزيد من الانهيار والقمع وإضعاف موقع مصر الإقليمي، سواء في ما يتعلق بحقوقها المائية في نهر النيل، أو تحويلها إلى وسيلة ضغط ضد الشعب الفلسطيني، من أجل تمرير «صفقة القرن» المنوط بها تصفية القضية الفلسطينية، تحت إشراف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ثلاثة استحقاقات انتخابية عربية تجري في  أيار المقبل. أولها الانتخابات المحلية التونسية التي تشكل اختباراً لمزاج التونسيين قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام المقبل. ولذلك تراهن القوى السياسية عليها كثيراً، وهي تخوضها على أساس حملات انتخابية، تحمل في طياتها تنافساً على المستقبل، وخصوصاً القوى السياسية الكبرى. وتنتظر الأطراف التي لم تجد فرصتها في الدورات السابقة أن تكون حظوظها أفضل. ومن هنا، تنتظر تونس هذا الحدث الذي يضيف رصيداً جديداً إلى ديموقراطيتها الناشئة، ويشد من عصبها في وقتٍ تواجه مصاعب اقتصادية كبيرة.
أما الانتخابات التشريعية اللبنانية فتجري بعد تأجيل استمر قرابة تسعة أعوام، ووسط مشهد سياسي مرتبك، يفتقد للدينامية والمبادرة، بسبب هيمنة بعض القوى على الدولة اللبنانية، وتعطيل دورها، ومنع مؤسساتها من العمل في صورة طبيعية. ولا يبدو في الأفق أن الخريطة البرلمانية المقبلة سوف تأتي بتغييرات ذات أهمية كبيرة على الصعيد السياسي العام، في ما يخص مصادرة هذه القوى القرار اللبناني، وتدخلها في سورية لمساندة النظام ضد الشعب السوري.
وأخيراً، يشهد العراق معركة انتخابية حامية، في حين لم ينقشع بعد غبار الحرب الشرسة التي خاضها جيشه ضد «داعش» الذي تمكَّن في النصف الثاني من عام 2014 من السيطرة على مدينة الموصل، وهدَّد العاصمة بغداد. وعلى الرغم من أن العراق حرّر معظم أراضيه من الإرهاب الداعشي، لا تزال هذه المواجهة تلقي بظلالها على المشهد عموماً، تبعاً للتراكمات الطائفية التي تفاقمت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والعملية السياسية المنبثقة من المحاصصة الطائفية.
الرهان معقود على أن لا تتكرر التجربة الفاشلة التي عرفها العراق خلال ولايتي رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. والشرط الرئيسي لذلك هو الوقوف بشجاعة أمام المسألة الطائفية، على نحوٍ لا يقل تصميماً عن محاربة «داعش».}