عبد القادر الأسمر

من المعروف بداهةً وعلماً أنّ لكلّ شعبٍ من شعوب الأرض ميزات وسمات وخصالاً أخلاقية متفردة كما يؤكد علم النفس الاجتماعي. فمثلاً يمتاز الشعب المصري بأنّه فكِه يحبّ النكتة ويخترع مزيداً منها في ثوانٍ، ولن نتحدّث عن إسباب اقتران شعب ما بخصلة معيّنة فهذا له شأن آخر.
أمّا الشعب اللبناني فهو نسيج وحده في صفاته وأخلاقه وسماته التي تميزه عن سائر الشعوب، كما أنّ له مواصفات غير ثابتة في التاريخ الاجتماعي للبنانيين. فهو لا يزال يفاخر بأنه بلد الأبجدية والديموقراطية والحرية وملجأ الاحرار من الدول العربية. إلا أنه في الحقيقة تغلّبت عليه هذه الأيام صفة الحيرة والتوتر في اختيار القرار تجاه ما يجري من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، منها ما أثاره «حزب الله» الّذي اتخذ قراراً خاصاً، وإن كان بتنسيق مع الجيش اللبناني للاقتتال في منطقة القلمون السورية ومطاردة جبهة النصرة، ما أثار التردّد والحيرة والانقسام بين مواقف الشعب اللبناني الحائر ومباركة بعض القوى المحلية لهذا القرار الذي قدّم نحو ثلاثين شخصاً من خيرة الشعب اللبناني، فيما حرصت بعض القوى اللبنانية على إدانة هذا التدخل في الشأن السوري وجرّ لبنان إلى حرب مع الجماعات المسلحة التي لا يعنيها أمر لبنان.
والمواطن اللبناني حائر في أزمة الخليج وحصار قطر من قبل أربع دول عربية في حدث لم يشهد له العالم مثلاً في تاريخه واحتار المواطن اللبناني في أي موقف يتّخذه، وهو الذي يتمنى ألا تطول الأزمة وتعود دول الخليج الى سابق وحدتها. 
وتتعزز مواقف الحيرة التي تنتاب الشعب اللبناني وتؤرقه في كثير من القضايا المحلية والشخصية، فهو يطالب بتحقيق سلسلة الرتب والرواتب مهما كانت العوائق والضغوطات من قبل الهيئات الاقتصادية وبعض النواب، ولكنه في الوقت نفسه لا ينسى ضخامة قرارات التفتيش عن موارد ثابتة تؤمّن قيمة هذه السلسلة البالغة 1200 مليار ليرة لبنانية، وهذا ما أدى إلى حيرة المواطن اللبناني الّذي يطالب بالسلسلة وفي الوقت نفسه يقلق من زيادة الضرائب التي تؤدي الى ارتفاع الأسعار.أما موقفه من قانون الانتخابات الجديد القائم على النسبية والصوت التفضيلي، فهو لم يستسغه في تعقيداته في الوقت الذي نرى أنه يمكن أن يؤمن الاستقرار ورضا المسيحيين خاصة الى حيرته في من ينتخبه، فهل يجدد للنواب الحاليين أم يفتش عن بدائل مشهود لهم في الكفاية ونظافة الكف، ولكن هل سيلتزم النواب الجدد حرصهم على الشعب والمال العام أم أنهم مثل من سبقهم سيحاولون ملء الجيوب كما النواب السابقون؟
والمواطن اللبناني يحار أيضاً في كثير من المواقف والأزمات. فهو مثلاً حائر في اختيار مدرسة لأولاده. فهل يختار المدارس الخاصة التي تؤمّن له نتيجة ممتازة لأولاده، لكنه يقف عاجزاً أمام أقساطها المرتفعة، أم سيختار المدارس الرسمية رغم ما يشاع عن تدني مستواها ولكنها لا تكبده الأقساط الباهظة؟ ورغم هذه الحيرة فإنه يرمي بنفسه في أتون المعاناة لتأمين أقساط المدارس الخاصة، ورغم ذلك يظلّ يبدي حيرته في اتخاذ قرار مناسب.
وتنتاب معظم شبابنا الحيرة في اتخاذ القرار المناسب بعد تخرجه من الجامعات أمام انعدام فرص العمل والتطلع الى الهجرة والعيش في الغربة أو القبول بمهن لا توافق شهاداته. وهكذا يقضي المواطن اللبناني أمره حائراً في اتخذ القرار المناسب أمام الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهذا هو لبنان وشعب لبنان الحائر.}
عبد القادر الأسمر