عبد القادر الأسمر

يودّع اللبنانيون شهر رمضان الكريم بغصّة على أيّامه الزاخرة بالصبر والرحمة والتواصل بين الأقرباء والأهالي واجتماع الأسرة على مائدة الافطار والسحور وأجواء البركة والتقوى التي يتسم بها هذا الشهر المبارك.
ولم ينغّص بركة هذا الشهر الكريم وروحانيته سوى صراع السياسيين حول قانون انتخاب جديد يرضون عنه جميعاً ليحقق مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الناس وآمالهم، وإن حاولوا أن يوحوا للبنانيين أننا «نعمل لأجلكم». وحفلت الأحداث بنزاعات السياسيين حول نقاط بعينها في القانون المقترح تتعلق بمستقبلهم السياسي وازدياد حجم كتلتهم النيابية أو على الأقل الحفاظ عليها في أتون هذا القانون الجديد الذي اعتمد النسبيّة، ما يحقق فرصة فوز نواب مستقلين أو مرشحين أو حزبيين خانهم الحظ في قانون الأكثرية الستين.وأقرّ السياسيون بأنهم تلهوا بهذا القانون الجديد وأنهم أهملوا الشعب اللبناني الصابر على أوضاعه البائسة وأنهم سيعوّضون عليه أيام التخلي، وأنهم سيعمدون الى العناية بمطالبهم المزمنة التي تمثل الحد الأدنى من الحقوق المدنية كما وعد بذلك الرئيس سعد الحريري في خطابات مآدب الافطار والسحور الزاخرة التي وعد فيها اللبنانيين بانتهاج الحكومة اللبنانية منحىً جديداً يتضمّن في ما يتضمّن تأمين الكهرباء 24 ساعة يومياً ومحاربة الفساد. والأمر نفسه كذلك أكده الرئيس نبيه بري على لسان وزير المال علي حسن خليل وكذلك التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية ومثلهم الرئيس ميشال عون في اجتماعه مع رؤساء الأحزاب والكتل السياسية ليضعهم أمام مسؤولياتهم في تحقيق اللامركزية الادارية وإنماء المناطق وإقامة مشاريع منتجة توفّر لعمل لآلاف اللبنانيين.
وإن الذين يعرفون طباع الرئيس ميشال عون وحزمه يؤكدون أنه لن يتراجع عن قراره حلّ الأزمات التي خنقت اللبنانيين ومكافحة الفساد في الادارات العامة والمناقصات الملغومة والهدر في المصاريف غير المبررة، وأنه لن يكون متساهلاً في سرقة مال اللبنانيين. ويودّع الصائمون فولكلور المهرجانات الذي التصق بشهر رمضان زوراً وازدهار المقاهي والمناطق الأثرية،  بما ينتفي ومقاصد الشهر الكريم الذي يعتبره بعضهم مهرجاناً غنائياً وموسيقياً وحشد المحطات التلفزيونية لعشرات المسلسلات التي سمّرت اللبنانيين في مقاعدهم حتى السحور على خلاف ما كان يجري في هذا الشهر من أمسيات ومحاضرات رمضانية واحتفالات دينية وإحياء للمناسبات الاسلامية التي تحكي بطولات المسلمين في شهر الصوم.
وانتظر اللبنانيون «ليلة القدر» ليعبروا عن أمنيتهم في مختلف القضايا التي لا يجدون لها حلاً واحتشدت المساجد بالشباب والفتيان ما يؤكد التزام المسلمين بالمسجد وتنامي الصحوة الإسلامية الراشدة التي تُقمع في معظم البلدان العربية والاسلامية وتجد راحتها في هذا الوطن.ويعتبر اللبنانيون أنّ عيد الفطر هذا العام هو منطلق مرحلة جديدة في حياة اللبنانيين مع وعود السياسيين وعزم العماد عون على الاستنفار لتحقيق مطالب اللبنانيين وقد آن الأوان لذلك. إن السياسيين اللبنانيين على المحكّ، وخاصة في شهر أيار المقبل بعد أن مدّدوا لأنفسهم 11 شهراً تحت ذريعة «أسباب تقنية» وسوف يستمر اللبنانيون في تحمّل نواب لم يؤدوا دورهم المطلوب ويستميتون في السيطرة على مقاليد السياسة والأمور. ولكن الأمر لن يتحقّق لأن الشعب اللبناني بات على درجة عالية من الوعي، وسوف يحاسب المقصّرين في الانتخابات المقبلة وسوف نرى وجوهاً جديدة نأمل أن تعوضهم مآسي ثماني سنوات، ولن يجرؤ أحد بعد الآن على خداع اللبنانيين وإننا بانتظار الأيام المقبلة.}