عبد القادر الاسمر

أجل إنّها الكوميديا اللبنانية السوداء التي يلعب أدوارها سياسيّو البلد وقادة الاحزاب والتيارات والجماعات المتنافسة على مصالحهم والمنهمكون في استقطاب المواقع والمواقف بكل شراسة وأنانية وهم الذين يدّعون حب لبنان واستقراره، ويؤكدون دعم العهد الحالي بأفواههم، ولكن مواقفهم من بعد الاستحقاقات لا تنمّ عن هذه الغيرة الوطنية وتفضح مزاعمهم وادعاءاتهم وتشبثهم بطروحاتهم التي لا يتنازلون عنها حتى لو دخلت البلاد مرحلة الفراغ القاتل.
ولقد لمس اللبنانيون مقدار زيف هذه الطروحات خلال تشكيل الحكومة الحالية حيث عشنا أياماً صعبة من تعنّت الكتل النيابية بالتمسك بوزارات بعينها تحقق لهم تعزيز دورهم في مجريات السياسة اللبنانية وتعمل على فرض آرائهم في الحكومة بتمرير طروحاتهم، وإن كانت تؤدي الى تعطيل الحياة السياسة، ما يؤكد تهافت مزاعمهم وخطل شعاراتهم.
انها الكوميديا السياسية اللبنانية التي لن تنطلي على اللبنانيين الذين باتوا في حيرة من أمرهم وهم ينتظرون اقرار سلسلة الرتب والرواتب التي مضى خمس سنوات على الحديث عنها دون أي خطوة جادة أو تحرّك نيابي ضاغط، بل إنهم يحاولون نسفها وحرمان آلاف المعلمين والاداريين والموظفين حقوقهم في راتب يحقق لهم الحد الأدنى من العيش اللائق، ولكن هذه السلسلة الآن في دوامة الآراء المتناقضة حول دمجها في الموازنة العامة أو اقرارها من خارجها، وهم يدّعون عجز الموازنة عن اقرار 1200 مليار ليرة قيمة هذه السلسلة وينحون باللائمة على المعلمين والاداريين لأنهم يكبدون الخزينة ما لا طاقة لها به ويتباكون على عجز الحكومة عن اصدارها إلا بعد فرض مجموعة من الضرائب.
إنه من المضحك المبكي أن يزعم السياسيون بعد خمس سنوات من رفع هذه المطالب عن عدم قدرة الموازنة على تغطية مبلغ 1200 مليار ليرة لبنانية فيما مصادر تمويلها في متناول اليد بعد أن يكافحوا الفساد المستشري في المرفأ والذي يحرم الخزينة العامة أكثر من مليار دولار تذهب الى جيوب السماسرة والمرتشين وفارضي الخوات الذي ينتمون الى بعض التيارات السياسية الراعية لهؤلاء الفاسدين ولم يتجرؤوا مرة على مكافحتهم ولا نعول كثيراً على وزارة مكافحة الفساد وادعائها أنها ستبدأ خطتها الواثقة في مكافحة الفساد في المرفأ والمطار وإيقاف الهدر والمصاريف وحشر الوزارات المختلفة بعشرات الآلاف المحازبين والأنصار وحاشا لأي وزير أو مسؤول أن «يدق» بهم، وإلا انفجرت أزمة طائفية ومذهبية ودفعت البلاد الى إضرابات ومتاريس وهذه كوميديا أخرى من الحياة السياسية العامة عندما يزعم نواب حرصهم على المال العام وهم ينهبونه بدون رادع أو ضمير أو حس وطني.
وتطالعنا أجواء كوميديا ثالثة مع مسألة إقرار قانون انتخابي جديد متوازن وكلّهم يدّعي الحرص على هذا القانون الّذي يؤمن مصالحهم الانتخابية ويحقق لهم أكبر عدد من النواب عبر قانون مختلط أو نسبي والذي استعصى على اللبنانيين فهمه واستيعابه فيما الكتل السياسية تحرص على فرض قانون يسمح لها بتثبيت وجودها وزيادة عدد نوابها وبخاصة تحالف عون-جعجع والذي سيسلب بعض التيارات السياسية نوابها المسيحيين لصالح هذا التحالف.
ولا يبدو في الافق تباشير اتفاق على قانون يرضي جميع الكتل السياسية التي تصرّ على مواقفها حتى ولو وصلت بالبلد الى مرحلة الفراغ والعودة الى أزمة سياسية  تقضي على أي أمل بهذا العهد.
وتلوح في الافق أزمة مستعصية مع ملء الشواغر في دوائر الدولة والسلك العسكري والقضائي والدبلوماسي وهي محطة هامة في الحياة السياسية حين تصرّ الكتل السياسية على فرض أسماء بعينها وسيعيش لبنان مرحلة دقيقة من هذا الاستحقاق الذي يكشف حرص مختلف الكتل السياسية على تعيين محازبيهم وأنصارهم.
ويبقى على اللبنانيين البسطاء والذين لا سند لهم ولا معين أن يشهدوا انهيار القيم والمبادئ والتخلي عن الكفاءات غير المنتمية الى أحزاب أو كتل أو تيارات، وهنا تبدو الأزمة السياسية والاجتماعية التي تلطخ سمعة عهد ادعى مكافحة الفساد وتحقيق الامن الاجتماعي والسياسي والمعيشي، وسيشهد اللبنانيون الصورة نفسها التي كان عليها لبنان في العهود السابقة، وهذه هي حال لبنان في أجواء الكوميديا السوداء السياسية.
عبد القادر الأسمر