إياد الدليمي

مضت الأزمة الخليجية نحو شهرها الثاني بلا توقف، وسار قطارها مسرعاً، على الرغم من كل الجهود التي بذلتها الكويت للتوسط، وعلى الرغم من كل الضغوط التي مارستها أطرافٌ دولية على دول الحصار، لتصل إلى مشارف هاويةٍ لم يعرف لها الخليج سبيلاً من قبل، ولتضع المنطقة الخليجية -ومن خلفها العربية- أمام مستقبل غامض مجهول في أحسن الأحوال. 
بجردةٍ سريعةٍ، يمكن القول إن دول الحصار، وتحديداً السعودية والإمارات، ستدفع الثمن الأكبر للأزمة التي سببتها، فليس سراً أن لنجاح قطر في تجاوز مفعول الحصار منذ اليوم الأول أثرٌ سلبي وكبير على الدول التي اتخذت قرار الحصار.
سوّقت دول الحصار اتهاماتها ضد قطر بطريقةٍ فجةٍ ومبتذلة، نزلت حتى للطعن بالأعراض والأنساب، وهو أمر لمن لا يعرف ثقافة الخليج، مستهجنٌ ومعيبٌ، ما شكل صدمةً ليس للمواطن القطري وحسب، بل أيضاً للمواطن في دول الحصار والخليج، وحتى العالم العربي. 
أثرت تلك الأكاذيب التي سيقت على نفسية الإنسان الخليجي، وخصوصاً في السعودية والإمارات، وهو ما أدى إلى أن نشهد هجرة جماعية لمواطني السعودية والإمارات من عالم «تويتر»، وهو لعمرك مؤشّرٌ يستحق الوقوف عنده، لمن يراقب ويواكب مآلات الأزمة الخليجية وما أفرزته. 
وعلى الرغم من القوانين التي تمنع التعاطف مع قطر، إلا أن عديدين من مواطني السعودية والإمارات عبّروا عن رأيهم برفض تلك الاتهامات التي سيقت ضد قطر، الأمر الذي عرّض بعضهم للسجن، وذلك من حسنات حصار قطر، فالثورة التي كانت تمور في نفوس العرب بعيداً عن الخليج وصلت إليه أخيراً، وهي التي طالما كانت دول الحصار تتخوّف منها، وطالما اتهمت قطر بأنها تريد زعزعة استقرار الخليج. 
استقرار الخليج اليوم مهدّد، ليس بغزو خارجي، وإنما بفعل حصار قطر الذي فرضته السعودية والإمارات، فمواطنو تلك الدول يراقبون ويقيّمون، ولديهم القدرة على فرز الحقائق، فنحن اليوم في عالم الفضاء المفتوح، والحقيقة لم تعد حكراً على فضائيات أو صحف. 
مواطنو السعودية والإمارات اليوم يتلمّسون حقائق حكامهم، فقناة الجزيرة التي بقيت ثلاث سنوات أو يزيد بعيدة عن تغطية شأن تلك الدول بدأت تفتح ملفات من لديهم ملفات فاقعة، والوقائع التي تتكشف يومياً تثبت ما تقوم به دول الحصار من دور سيّئ، وتبديد للثروات والأموال وضياع للبوصلة، وغياب لأي شعور بالمسؤولية. 
فتح حصار قطر أذهان مواطني الدول التي قرّرت ذلك الأمر الذي بات ملموساً، وإلا فماذا تسمي هجرة المئات من علماء الدين والدعاة ومشاهير «تويتر» في الخليج، هذا الفضاء الأزرق، بحجج واهية، إلا لأنهم لا يريدون أن ينافقوا حكامهم على ما اتخذوه من قراراتٍ يعتبرونها ظالمة ضد قطر. 
لقد حاصرت دول الحصار نفسها، وروح الثورة باتت تعتمل في نفوس شعوبها، بل وصل الأمر إلى حد الخلافات التي لن تبقى طويلاً تحت الطاولة، بين الطبقة الحاكمة ذاتها حيال حصار قطر. 
الآن، على دول الحصار، إن كان فيها رجل رشيد، أن تبدأ عملية مراجعة سريعة لخطواتها ضد قطر، إن كانت تريد أن تنجو بنفسها من هذا الحصار الذي أطبق عليها وحرّر قطر. 
وعندما نقول حرّر قطر، لأن ما كسبته الدوحة أكثر بكثير مما خسرته، فهي اليوم باتت أكثر استقلاليةً بقرارها، بعيداً عن ضغوط مجلس التعاون، وهي اليوم أكثر ثقةً بنفسها وقدراتها، وهي اليوم أكثر تلاحماً بين شعبها والقيادة. وقطر اليوم أكبر ثقلاً على المستوى الدولي من قبل الحصار، وعكس ذاك وأكثر هي خسائر دول الحصار، فخذ على سبيل المثال الإمارات، التي كانت تباهي العالم بنهضتها العمرانية، اهتزّت صورتها، ولم تعد ملجأً آمناً للاستثمار الأجنبي، فضلاً عن اهتزاز ثقة المواطن بقيادته، وهو الأخطر.}