محمد أحمد حمود

الناس صنفان: تقيّ وشقيّ، فريق في الجنة وفريق في السعير.
والعيون قسمان: عين عرفت الله ودمعت من خشية الله وتفكرت في مخلوقاته، وعين أعرضت عن هدي خير الأنام |. والقلوب اثنان: قلب عرف الله وسار على منهج الله، وقلب أعرض وأنكر.
والألسنة لسانان، لسان نطق بالحكمة وقال الخير، ولسان تكلم بالغيبة والنميمة والزور والاستهزاء والطعن واللعن والتكفير والتخوين والتفسيق..
والمفلح من ضبط كل هذا بما يرضي الله، فالأذن لا تسمع واللسان لا ينطق والعقل لا يفكر ولا يخطط، والقلب لا ينعقد واليد لا تكدح والرجل لا تسعى ولا تخطو، إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى. 
وكما قيل: الجوارح جوارح.
فما أحسن الهداية وما اجمل أن تعرف الله، وما أقبح المعيشة الضنك بلا إيمان. فليس العمى عمى الأبصار ولو أنه عمى ظاهر، ولكن العمى الحقيقي عمى القلوب، >فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور<.
لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها
اذا لم يكن للمبصرين بصائرُ
بعض الناس عيناه كأعين الثور ولكنه لا يبصر ولا يعي، فليس عنده قلب يخشع، مثله كمثل أبي جهل يبصر بعينه كل شر ولم يبصر الخير، أما ابن أم مكتوم أعمى البصر لكنه مبصر البصيرة وطاهر القلب ونقي الفؤاد والسريرة.
وهنا همسة الى الدعاة في كل ميدان، والآباء والأمهات في كل مكان، وللأساتذة والمربين في كل زمان بل والى كل إنسان، القلوب لا تلين الا للكلمة الحانية والأسلوب الرائع، والآذان لا تستمع الا الى الحب والصفاء، والقلوب والأرواح لا تنقاد الا الى الحكمة.
قال الله لموسى وهارون عليهما السلام >اذهبا إلى فرعون إنه طغى، وقولا له قولاً ليّنا..<.
فإذا صفت القلوب ظهر الصفاء على الوجوه، وخرج على اللسان أحسن الكلام، ووقع التأثير.
روى الترمذي عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله الى المدينة اجتمع الناس عليه في السوق، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.
لو لم تكن فيه آيات مبيّنة 
لكان منظره ينبيك بالخبر
فرق كبير بين تقي وشقي..
دخل سعيد بن جبير على الحجاج مرة بعد أن أمر باعتقاله، فسأله الحجاج: ما اسمك؟ فقال: سعيد ابن جبير، فقال الحجاج مستهزئاً: بل شقيّ ابن كسير، قال سعيد: كذا سمّتني أمي. ثم أمر الحجاج بقتله، فدعا عليه سعيد دعوة واحدة، قال: اللهم لا تسلّطه على أحد من بعدي.
فما لبث شهراً الا ومات الظالم، يقول الحجاج وهو على فراش الموت: إن الله قتلني عن كل مسلم قتلته مرة واحدة، وقتلني عن سعيد ابن جبير مئة مرة.
لأن «سعيد» عرف كيف يستخدم السلاح، ولأنه أزال الموانع التي بينه وبين الله.
فالتقي يعرف ويثق بنهايته كيف ستكون، حتى وإن قدّم التضحيات في البداية، يعيش بهدف واضح لنهاية واضحة، ليس فيها لبس أو شك، فهي إما الجنة أو النار.
والصراع ما زال بين الأتقياء والأشقياء، وما زالت المناظرة حيّة بين هؤلاء وهؤلاء، وبين أناس أعمى الله بصائرهم وأبصارهم فلم يعرفوا الطريق، وهم أشقياء دائماً.