عبد القادر الأسمر

فؤاد يمّين الّذي يجسّد نجومية تهريجيّة لمشروبات الطاقة أصبح مؤخراً وسيط الزيجات لدى الشعب اللبناني، وأية زيجات؟
مرّة جديدة، لا تخيّب محطات التلفزة اللبنانية انتظارات المشاهد الّذي اعتاد تقديمها ما يناقض توجّهات المجتمع اللبناني وميوله، وفي أحسن الأحوال، ما لا يعكس أكثر من 10% من لسان حال هذا المجتمع وواقعه. 
ويمضي الاعلام اللبناني في استنساخ برامج غربية ويتجاهل أن الاستنساخ علمياً هو محاولة أثبتت فشلها منذ محاولة الانسان مع النعجة «دوللي» المريضة، ليستنسخ اليوم برنامجاً مسرطناً من نسخة غربية بعنوان Take me out (اجعلني اخرج معك) أو باللهجة اللبنانية وبكل صلافة، صبيّة تتوجّه لشاب لتقول له «ضهّرني» رغبة منها بالمواعدة ليختارها شريكة حياته، وكأنها بهذا الاسلوب تكون هي سيدة قرارها ويكون هو قد وقع على المرأة-الحلم التي سيكمل مشواره معها.
 على المحطة اللبنانية للارسال يُعرض برنامج «نقشت» في حلقاته الأولى، في أجواء من الضحك والتهريج والايحاءات الجنسية، والمصطلحات والتعابير اللبنانية المنمطة مثل «بنت مهضومة»، «بنت طيّوبة ونعّومة وجسمها حلو» التي تشكل أهم المعايير التي يضعها الشاب لاختيار فتاة أحلامه، حيث تقف ثلاثون صبيّة على المسرح، ويدخل اليهن «دون جوان» زمانه ليختار بينهن الفتاة التي تعجبه، وبدورها تقوم كل فتاة إما بإبقاء الضوء مشتعلاً أو تطفئه تعبيراً منها عن عدم قبولها بهذا الشاب.
والفتيات، على أي شيء يرتكزن لإبقاء هذا الاعجاب «مشتعلاً» أو لاطفائه؟ ما يحدث هو أن تتعرّف الفتاة على الشاب من خلال فيلم قصير يتمّ اخراجه على النمط اللبناني الساري المفعول في مسلسلاتنا الخارجة عن الزمان والمكان، التي تصوّر إمّا شاباً في أحد الملاهي الليلية يشرب نخب السهرة مع أصدقائه مع الدخان المتصاعد والأضواء المتراقصة والموسيقى والضحكات العالية والفرفشة، أو شاباً يعرض عضلاته ويخلع ملابسه  في عرض تعرٍّ «ستريب تيز»، وليكلمنا عن طعامه كل ثلاث ساعات، والعشر بيضات صباحاً، وخلطة البروتين، وليقول إن «عضلاتي كبروا وكبرت معهم ثقتي بنفسي»، وليعطينا، بكل ثقة أيضاً مقاس الصدر والكتفين والرجلين..
ثم يدخل الشاب الى المسرح، راكضاً بلا هيبة ولا وقار على وقع إحدى الأغاني، لتتبلور هنا معايير «المرشحة للزواج» على المظاهر الخارجية و القشور. فضلاً عن ذلك، من غير السهل أن نتجاهل المفردات والعبارات السوقية التي نسمعها في الشوارع عندما يريد شاب متسكع أو صعلوك «تلطيش» فتاة تمرّ أمامه، ولكن في «نقشت» تظهر المساواة بين الجنسين في أبهى أنواعها بحيث الفتاة أيضاً تلطّش الشاب وتتغزّل به دون الحد الأدنى من الحياء، اجتهاداً منها باصطياد شريك العمر وأقلها كلمة «يقبرني جمالك» لشاب لا تعرف أصله ولا فصله ولم تمرّ أكثر من دقائق على لقائهما أمام كاميرات يشاهدها الملايين.
إحدى العجائز المتصابيات أبت إلا مرافقة ابنها الى المسرح أو من نسمّيه «حبيب الماما» الّذي غدا نكتة مقدم البرنامج والفتيات، واحداهنّ تقول عن الشاب بكل ما أوتيت من مياعة: «بصراحة؟ ما حبّيت»، لتردّ عليها الأم المثالية بلهجة لا تخلو من السوقية «ليش يا حبيبتي ما حبيته، يصح لك، شو يلي ما حبيتيه؟ شعرو؟ وجّو؟ جسمو؟» وتنظر الأم الى أسفل بطن الشاب لتصرخ الفتيات في جوقة سخيفة «كل شي فيه حلو» في لفتة مبتذلة ذات مغزى جنسي تستحي مشاركات النسخة الغربية من التلفظ بها. وتحسب للحظة كأن الام تريد التسويق لجسد ابنها كأنه ليس لديها ما تفخر به سوى جسد ابنها، أمّا عن التربية والاخلاق الحميدة وتعبها في جعله «رجلاً» مؤهلاً لتحمل مسؤولية أسرة، فهذه المعايير أصبحت في خبر كان، أو ربّما معايير أكل الدهر عليها وشرب.
وإذا كان المجتمع عماده الأسرة، والأسرة عمادهما الأم والأب، وهما أصلاً امرأة ورجل اتفقا على الزواج، فلبئس المعايير التي أرساها برنامج «نقشت» في اختيار اللبناني لشريك(ة) حياته(ا)، لصنع أهم مؤسسة مجتمعية تنتج الانسان والوطن. وإذا كان هناك من شيء «نقش» فهو حقاً مستوى الهزلية والسخف الفكري الذي وصلت اليه برامجنا.
إنها سوق النخاسة التلفزيونية بأوقح صورها، وتجارة الرقيق بأبشع مظاهرها. إنه التلفزيون المنحط والبرنامج الذي يهين المرأة ويكرس مواصفات معينة تدعو المراهقين والمراهقات الى التزامها والتمسك بها. بئس هذا الزمن الذي انقلبت فيه المقاييس وانحطت فيه القيم وعمّ فيه الشذوذ والانحلال.