عصام تليمة

من أهم سمات الحكم الاستبدادي العسكري: التخلص من المعارض بقتله، ثم بعد ذلك البحث عن مسوّغات تبرّر هذا القتل، فقد يكون القتل باسم القضاء والقانون، وقد يكون باسم الدين، وقد يكون باسم هيبة الدولة، وفي كل حالة يجد المستبد من يبرر له ذلك، سواء دينياً أو قانوناً.
ومن يتابع مسار القتل في مصر سيجده يتناول كل هذه الأسباب، بل زاد عليها القتل خارج القانون، أي تطبيق الإعدام دون إلقاء القبض على المتهم، أو من يشار إليه بالاتهام، ودون تقديمه لمحاكمة سواء أكانت عادلة أم ظالمة، ثم تصفيته رمياً بالرصاص، ولا يلقي هذا النظام العسكري بالاً بحساب أو عقاب من دول أو منظمات حقوقية!! 
والأعجب أن الدول التي وقفت بالمرصاد مهددة ومتوعدة تركيا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لو أعاد عقوبة الإعدام لشنق من شاركوا في الانقلاب التركي وقتلوا المواطنين، مستخدمين سلاح الدولة لقتل المواطنين الأتراك، لم نرَ لهذه الدول تهديداً يصل إلى درجة الجد مع الانقلاب في مصر، وقد صرنا لا يمرّ شهر دون حالات إعدام، سواء بالحكم على أشخاص أبرياء، أو قتلهم داخل السجون بالإهمال الطبي، وهو جرم شرعي وقانوني عقوبته معروفة شرعاً ودولياً، بل التمادي والتبجح في الإجرام بقتل الناس بتصفيتهم خارج القانون.
ولذا كان موقفنا من المطالبة بوقف الإعدام في مصر، لأن معايير العدالة غائبة تماماً فيها، وإذا كان موقفنا هنا أننا ضد الإعدام السياسي، وضد الإعدام الجنائي في مصر في هذه المرحلة خاصة، فلا توجد أية معايير محاكمة عادلة للمتهم، ولا قضاة يوثق بأحكامهم، فضلاً عن المحاكمات العسكرية التي تكيل الاتهامات، وتقضي بأحكام الإعدام جزافاً، وهو موقف شرعي مبني على أسس وأصول وأدلة، وقد كنا بعد ثورة يناير نناقش مدى ملاءمة تطبيق الحدود الشرعية، مع بدايات وجود نظام قضائي مقبول إلى حد كبير، ولكنا رفضنا وقتها أن ينادي أحد بتطبيق الحدود في هذه المرحلة، لأن المجتمع غير مهيّأ لها من حيث وسائل الإثبات، فالقتل يشترط لتنفيذه وجود شاهدين، والسرقة كذلك، ومعظم الحدود عدا الزنى، ففي بلد كمصر تستطيع أن تقف أمام أي محكمة وتطلب شاهدي زور بالأجر فيأتيك عشرة، كلهم مستعدون للقسم أمام القاضي للشهادة معك زوراً ضد خصمك البريء، ولذلك قلنا وقتها: إن المجتمع لم يصل بعد لمرحلة يحسن فهم هذه الحدود، وفهم شروطها، وعندما تكتمل منظومة العدالة وقتها تطبق الحدود حتى لا يساء إلى شرع الله، والسبب في ذلك ليس لنقص في الشرع – حاشا – بل لنقص في العدالة وأدواتها.
فإذا كنا نقول هذا في تطبيق حدود الله، فكيف في تطبيق أحكام وضعيّة جائرة، يمليها حكم العسكر على القاضي بالهاتف، ولا يمتلك فيها المتهم أية ضمانة حقيقية أو شكلية لنيل حقه، وفي السجون المصرية آلاف الأبرياء من خيرة شباب ورجال ونساء مصر، يقبعون خلف القضبان، حتى حقوق السجين التي تثبت عليه الجريمة ويحكم عليه بالعدل، لا ينال حقوقه كسجين، من حيث الزيارات، فضلاً عن التعذيب الذي يعانيه السجين وأهله في سجون الانقلاب.. كل هذه الأسباب وغيرها، تجعلنا ننادي شرعاً قبل سياسة بإنهاء عقوبة الإعدام السياسي في مصر، وأما عقوبة الإعدام الجنائي، فلنا فيها رأي شرعي كذلك، لعلي أوضحه في مقالي القادم إن شاء الله، مبيناً ما يقبل منه الإلغاء وهو كثير جداً، وما لا يقبل وهي حالة واحدة فقط في التشريع الإسلامي، وهو ما لا يتوافر في حكم العسكر بيقين.}