عبد القادر الاسمر

مساء الخميس الواقع في 2 آذار الجاري عرض برنامج «العين بالعين» حلقة خاصة بالتعذيب وفنونه بمشاركة بعض الاشخاص الذين ذاقوا هذه الفنون في سجون صدنايا وتدمر في سوريا وأبو غريب في العراق وفي «إسرائيل».
الاعلان الدعائي كان عن أسبقية محطة الجديد الدخول الى بعض السجون وعرض آلات التعذيب، ما شوّقني لأتابع هذه الحلقة، وإن كنت على يقين بأنّي لن أتابع فقراتها كاملة الّتي يبدو أنّها تُصوّر ما يخضع له السّجناء من ذلّ ومهانة وتعذيب مبتكر بآلات حديثة وبعضها بما تيسّر من أدوات كلاسيكيّة يبرع فيها الجلّاد وهي بمثابة «أهلاً وسهلاً» حيث يرحّب رجال المخابرات بالوافد الجديد قبل معرفتهم باسمه وذنبه.
وقد استضاف معدّ البرنامج طوني خليفة نماذج من المعذّبين في سجون سوريا والعراق و«إسرائيل» وبعض الاحزاب اللبنانية خلال الحرب الاهليّة، فضلاً عن نائب سوريّ سابق لا ينفكّ يبتسم بسخرية لما يراه ويسمعه ويردّد أنّه في حاجة الى دليل، وما أبشع هذه العبارة التي يلجأ اليها كلّ من يريد أن ينفى أيّ ادّعاء، معلناً أن لا صحّة لهذه المشاهد المصوّرة من داخل أحد سجون سوريا.
هنا لم أستطع أن أتابع المشاهد التي لا تمثّل سوى جزء يسير ممّا وصل اليه «عباقرة التّعذيب» وقد كنت أهمّ بتناول العشاء حين فاجأنا البرنامج بهذه الجريمة الّتي ينفّذها شبيحة الأسد في عمليّة إبادة تطاول آلاف السجناء الّذين قضوا إمّا تحت التعذيب وإمّا مَرضاً. ويروي لك السجين الذي قضى ثلاث سنوات قبل أن يُفرج عنه أن أكثر نزلاء سجون سوريا هم في عداد الأموات.
وشعرتُ بالآلام في معدتي التي أصيبت بالتقرح وقد عرتني قشعريرة مع سخونة في جسمي وعزفت عن تناول الطعام، وقد تذكّرت آلاف المعتقلين الّذين لا يُمنحون سوى رغيف يابس كلّ ثلاثة أيام.
وتصوّرت أنّني ذلك السجين فلم أمنع نفسي من الرّجفة التي سيطرت عليّ من أفعال المجرمين في حلّ من مخافة الله ولا دور لهم في هذه الحياة سوى القضاء على أيّ معارض أو أيّ إنسان مؤمن، وهذه هي مهمة النظام الأساسيّة التي يشترك فيها مع العديد من الأنظمة العربيّة الّتي تلاحق الشباب المؤمن وترميهم في السجون دون ذنبٍ أو جريمة وتتّهمهم بالارهاب وبالداعشيّة.
إنّها أيّام ابتهاج في «إسرائيل» لأن أعداءها من المسلمين الملتزمين تصفّيهم مخابرات الانظمة الّتي تنفّذ عنها مهمّة القضاء عليهم وتقمع كلّ من يعتنق الفكر الاسلامي وتحرم الشباب المؤمن الالتحاق بالمؤسسة العسكرية خشية تشكيل خلايا نائمة.
ونعود الى حلقة التعذيب في داخل السجون السورية التي يتحدث عنها أحد الناجين من دهاليز النظام المذهبي، وتعرض الحلقة فنون التعذيب التي لم أستطع متابعتها، وينتقل المشهد الى سجن أبو غريب في العراق الذي يحتفل فيه مئات المعتقلين السنة والمتهمين بأنهم من أنصار صدّام حسين حيث مارس الجيش الاميركي اهانة المساجين العراة، وهذا من دروس بلاد الحرية واحترام حقوق الانسان.
وأيّ كذبة هذه يدّعون فيه أنهم أعداء «إسرائيل» وكذلك القول بأنّ ايران تستطيع القضاء على الكيان الاسرائيلي في سبع دقائق، فيما الوقائع تثبت أنّ هناك حلفاً ضمنياً بين بعض الروس والصهاينة بعدم الرد على أي هجوم اسرائيلي على سوريا.
لقد كانت ليلة لا تُنسى تخللتها مشاهد الرعب والتعذيب التي أثارت في نفسي شتى أنواع القهر والظلم والمهانة وشعرت بقصوري عن فعل أي مبادرة لتخليص المعتقلين في السجون السورية والمصرية، ولم يسعني سوى أن أدعو الله أن يزيل عنهم الغمة ويشفي صدور قوم مؤمنين.