العدد 1469 /7-7-2021

أن يقوم المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، ونوّاب حاليين بصفاتهم الوزارية السابقة (غازي زعيتر وعلى حسن خليل ونهاد المشنوق) ووزير الأشغال السابق، يوسف فنيانوس، ومدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء، طوني صليبا، وقائد الجيش السابق، العماد جان قهوجي مع ثلاثة من كبار الضباط السابقين في مخابرات الجيش، فهذا بحدّ ذاته يُعدّ إنجازاً مهمّاً .

ربما لن يتمكّن القاضي بيطار من الوصول إلى أيّة نتيجة في ملف جريمة انفجار مرفأ بيروت، وقد يكون هذا مرجحاً، حتى لو استمع أو ادّعى أو واصل عمله بكلّ جدّية وحرفية في هذا الملف، وهذا الكلام ليس من باب زرع الشك أو الإحباط من قيام مؤسسة القضاء بدورها الطبيعي في بلد يقوم نظامه السياسي أصلاً على مبدأ فصل السلطات، غير أنّ الوقائع على الأرض تبدو غير ما هي عليه في الأنظمة والقوانين والدساتير. فالطبقة السياسية في لبنان لها جذور عميقة في الإدارة والأمن والقضاء والاقتصاد والعسكر وفي كل شيء، وتمتلك من الإمكانات ما يجعلها تلتف على تلك الاستنابات وتعيد الملف إلى المربع الأول، وهو بالضبط مع حصل مع المحقق العدلي السابق في القضية ذاتها القاضي فادي صوّان الذي ادّعى على الشخصيات ذاتها تقريباً، غير أنّه بعد فترة وجيزة تنحّى أو نُحّي عن الملف لاعتبارات ظلّت مجهولة الحقيقة عند اللبنانيين. ثمّ إنّ جريمة انفجار المرفأ عُدّت من الجرائم السياسية، وهذا النوع من الجرائم الذي تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية واعتبارات وحسابات سياسية ومصلحية لا يتمّ كشفها بسهولة أو في وقت وجيز، وعلينا أن نتذكّر أنّه لم يمرّ بعد عام كامل على الجريمة؛ كما علينا أن نتذكّر أنّه جرى الحديث في هذه الجريمة عن ضلوع دول وأنظمة وحكومات عربية وإقليمية ودولية فيها، وبالتالي ليس من السهل وفي وقت قصير كشف حقيقتها وكل ملابساتها، مع أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين بات على ثقة وقناعة تامة بكل أسباب ومسببات الجريمة ومن يقف خلفها وكيف ولماذا نُفّذت، وكل هذه العناوين المتصلة بها.

ثمّ إنّه يمكن أن يتمّ النظر إلى قرارات المحقق العدلي القاضي بيطار أنّها ناقصة، خاصة لناحية بعض التصريحات لمسؤولين في الدولة حول جريمة الانفجار كانوا قد اعترفوا أنّهم كانوا على علم بتخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ ولم يتخذوا أيّ تدبير أو لم يحركّوا ساكناً.

على كل حال وبغض النظر عمّا إذا كانت هذه الاستنابات القضائية التي سطّرها القاضي طارق بيطار بحق شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية رفيعة ستؤتي أكلها أم ستظلّ حبراً على ورق، غير أنّها أعادت بعض الهيبة للقضاء اللبناني وللقضاة في لبنان، وشكّلت رادعاً ولو مرحلياً أو ظرفياً للطبقة السياسية الحاكمة والمنفلتة من كل عقال، وأعادت بعض الأمل لإمكانية قيام دولة مؤسسات حقيقية بعيدة من منطق المحاصصة والمغالبة والاستئثار التي تعطّل اليوم تشكيل حكومة جديدة، فضلاً عن أنّها جدّدت الأمل عند الشعب اللبناني بأهمية أن يُبْـقِـي على حراكه الشعبي السلمي الديمقراطي الضاغط من أجل كشف حقيقة جريمة انفجار المرفأ، ومن أجل بناء دولة مؤسسات حقيقية في لبنان يخضع فيها الجميع لسلطان القانون لا لسلطان القوة والهيمنة. وأخيراً إنّ أجمل ما في هذه الاستنابات القضائية بحق رموز مهمّة من الطبقة السياسية أنّها كشفت أنّنا ما زلنا في لبنان، وعلى الرغم من كل مآسينا وأزماتنا المعيشية والحياتية وغيرها، أفضل من كثير من البلدان التي لا وجود فيها للقضاء أصلاً، والحاكم السياسي الأمني هو الذي يقرّر ما يراه ويسوق الناس بقراراته إلى حتوفهم دون أن يرفّ له جفن أو يُسأل عن جريمة.!

د. وائل نجم