العدد 1369 / 10-7-2019
الدكتور وائل نجم

لطالما ظُلمت مدينة طرابلس في الاعلام وفي تصريحات العديد من المسؤولين السياسيين , حتى أنها تعرّضت لحملة مشبوهة مشبعة بالحقد والحسد والضغينة، أرادت النيل منها ومن أبنائها، فراحت تعمل بشكل مستمر من أجل وصفها بأوصاف لم تكن يوماً معروفة في أبنائها أو في تاريخها الماضي , القديم أو المعاصر، فترة كانت تُتهم بـ "الإرهاب" مع غياب أي تفسير واضح ومتفق عليه لهذا المصطلح، وتارة تُتهم بالتطرف , وأيضاً لا يُعرف على وجه الدقة ما يُقصد بهذه الكلمة، وتارة تُتهم بالتشدد والتعصّب , وهي المدينة المنفتحة والمفتوحة لكل سائح أو زائر ولطالما رافقت البسمة والنكتة والدعابة وجوه وأفواه الطرابلسيين ولم تغاردها على الإطلاق. لقد كانت حملة بل حملات تهدف إلى "شيطنة" المدينة من أجل النيل من أهلها وأبنائها، وكما قلنا فقد شاركت بعض الوجوه والشخصيات السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في واحدة على الأقل من هذه الحملات.

يوم السبت الماضي أكدّت طرابلس على دورها ووجهها الحضاري، وأنها من الحواضر الوطنية التي لا تقلّ عن غيرها في حمل الهموم الوطنية والعمل من أجل النهوض بالوطن، إلا أنها في الوقت ذاته تعرف كيف تجيب عن كل الأسئلة، وكيف ترد على كل الحملات المغرضة، وعلى الافتراءات التي أطلقها ويطلقها البعض في مناسبات وفي غير مناسبات، بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن تزّيا كلامه بشعارات وطنية جامعة، في وقت تتحدث أفعاله وأعماله عن أفق ضيّق تارة يأخذ وصفاً طائفياً، وتارة وصفاً إنعزالياً، وتارة ثالثة يكون نوعاً من التعبير عن قصور وعقد تاريخية قد لا يكون لها حل.

يوم السبت الماضي أبرزت طرابلس دورها الحضاري الدائم عندما زارها رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، وهو الذي ينظر الكثيرون إلى خطاباته وتصريحاته وخطواته وأفعاله على أنها استفزازية، وإلى سياساته على أنها إقصائية ثأرية، وإلى تصرفاته على أنها تخرق الدستور وحتى القيم والميثاقية دونما اعتبار للشركاء الآخرين، ولا لدورهم وتاريخهم. كما يرى الكثير أن طرابلس المدينة، وطرابلس العمق الممتد والمنتشر في بقية أرجاء الوطن، قد نالها من تلك التصريحات أو المواقف أو الأفعال أو التصرفات أو السياسات البعض أو الكثير، فأرادت عن تعبّر عن موقفها من تلك الأفعال وغيرها، ومن صاحبها على طريقتها الخاصة والحضارية والهادفة.

لقد زار رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، المدينة مسبوقاً بحملة إعلامية كبيرة، وبحملة علاقات عامة، وبمواقف إيجابية تجاه المدينة وعمقها الوطني، علّ ذلك يشفع له عندها، ولكنها كانت قد اتخذت قرارها بتوجيه رسالتها الحضارية الوطنية، ومفادها أن أصحاب تلك الأفعال والسياسات والمواقف ليس لهم موطىء قدم في طرابلس. لأن طرابلس ترفض الإقصاء، وترفض التهميش، وترفض الخطابات العنصرية، وإثارة الغرائز، وتنمية الأحقاد الدفينة، وترفض السياسات الكيدية. هي تتطلع إلى المستقبل ولا تريد نبش قبور الماضي. فالعيش في أسر الماضي لا يبني وطناً أو مستقبلاً. ولا يرسّخ فكرة العيش الواحد الكريم لكل اللبنانيين، ثم لماذا يريد البعض أن يخيف اللبنانيين من بعضهم فيطلق العنان لكل ما يثير الهواجس والمخاوف؟! وطرابلس تأبى ذلك وترفضه.

لقد عاش الطرابلسيون، بومهم بشكل عادي على الرغم من حجم القوى العسكرية والأمنية التي أنيط بها حفظ الأمن في ذلك اليوم. لم يكن الزائر بحاجة لكل ذلك. وبالمناسبة فإن الحديث الدائم عن الاصلاح والتقشّف ومكافحة الفساد لا يكون بالأقوال، بل بالأفعال التي توفّر على القوى العسكرية والأمنية جهدها ليُصرف في مكان آخر. وليس عبر إثارة القلاقل بين اللبنانيين.

لقد عاش الطرابلسيون يومهم كالمعتاد. بعضهم في أعماله، وبعضهم الآخر يقضي عطلة نهاية الأسبوع مع أقربائه وأصدقائه، وبعضهم فضّل عدم الإلتفات إلى الزيارة ولا إلى الحدث، وتركوا زائر مدينتهم وحده مع بعض محازبيه من خارج المدينة يحتفلون في المعرض المعطّل بفعل قرارات وسياسات كيدية.

هكذا ردت طرابلس على كل السياسات التي استهدفتها، واستهدفت غيرها بكل هدوء وحضارة، وقالت كلمتها مشددة على انتمائها الوطني ورقيّها الحضاري، فتحية من القلب إلى كل طرابلسي يتمسك بقيم مدينته وتاريخها الناصع.

د. وائل نجم