العدد 1435 / 4-11-2020

د. وائل نجم

تأمّل اللبنانيون خيراً خلال الأيام الماضية عندما جرى الحديث في وسائل الإعلام عن قرب تشكيل الحكومة مع علمهم المسبق أنّ هذه الحكومة ستكون نسخة طبق الأصل عن الحكومات السابقة على الرغم من حديث الرئيس المكلّف عن حكومة من أهل الاختصاص، ومع قناعتهم أنّ أية حكومة من هذا النوع لن "تشيل الزير من البير" أو تضع الحلول للأزمات التي باتت مركّبة ومعقّدة بشكل كبير جدّاً. ويعود أمل اللبنانيين بذلك وانتظارهم لتشكيل الحكومة لأنّهم أدركوا أنّ ما يتطلعون إليه من حكومة خارج إطار المعهود بات أمراً ليس سهلاً، بسبب سياسة القوى السياسية ونهجها من ناحية، وبسبب تعويم القوى الدولية لهذه القوى المحلية من ناحية ثانية.

لقد عطّل منطق المحاصصة من جديد مساعي تشكيل الحكومة. فالقوى السياسية التي سمّت الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، والعهد الذي من صالحه أن تكون هناك حكومة تضع الحلول وتخفف من الأزمات، لم يتفاعلا كما يجب مع مساعي التشكيل، ولم يقدّما الكثير من أجل تشكيل حكومة تحاكي تطلع اللبنانيين، سواء كانت من أهل الاختصاص والكفاءة، أو خارج إطار المحاصصة والاستئثار. وهذا ما أوقف المسار التفاؤلي، ودفع من جديد إلى بروز العقد في توزيع الحقائب أو طرح الأسماء.

لقد تحدثت وسائل الاعلام عن مطالب عند التيار الوطني الحر بوزارات معيّنة مع العلم أنّه التيار لم يسمّ الحريري لتشكيل الحكومة، وهو يصرّ أيضاً على حصّة وازنة فيها، سواء لنوعية الوزارات أو لعددها، ويكاد التيار يكون مدعوماً من رئيس الجمهورية في هذه المطالب، وهي بالطبع مطالب تعجيزية هدفها الأساسي إخضاع الرئيس المكلف للشروط وإظهاره ضعيفاً في المرحلة المقبلة فيما لو قبل، أو على أقل تقدير إظهاره ضعيفاً أمام قاعدته وجمهوره؛ وهنا نذكر كيف أنّ الرئيس أجّل الاستشارات الملزمة أول مرّة عندما أيقن أن الرئيس الحريري سينال أغلبية نيابية تؤهله لتشكيل الحكومة، ثمّ في المرّة الثانية خاطب اللبنانيين على غير العادة، وطالب النواب بتحمّل مسؤوليتهم في دعوة غير صريحة إلى عدم تسمية الحريري لتشكيل الحكومة، وها هو النهج اليوم يعمل على تعطيل التشكيل على الرغم من كل الأزمات التي يعيشها اللبنانيون ويدفعون أثمانها.

من الواضح أن رئيس الجمهورية وخلفه أو معه التيار الوطني الحر يجهدون من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الوزارات والحصص في عملية تشكيل الحكومة أو في غيرها، وهذا يبدو واضحاً لا يحتاج إلى دليل، ولكن الأزمة أكبر وأعمق من حصة من هنا أو وزارة من هناك. هناك مسؤولية إنقاذ الدولة. هناك مسؤولية إخراج البلد من الأزمات ومنع التوجّه نحو المجهول.

منطق المحاصصة الذي برز وأعاد خلط الأوراق يعيق تشكيل الحكومة، ويعيق الحلّ المنتظر، ويعيق ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وهو يحتاج إلى هذه الثقة من أجل تأمين الأموال اللازمة للدورة الاقتصادية. منطق المحاصصة يعيد إنتاج الأحقاد والكره والنعرات السياسية والطائفية والمذهبية المتبادلة. فلماذا هذا المنطق في ظل هذه الأوضاع؟!

وإضافة إلى منطق المحاصصة بدأنا نشعر بمنطق جديد ينمو ويكبر وهو منطق الاستحواذ والاستئثار بالسلطة بشكل شبه كامل تحت عنوان المداورة الشاملة. وهنا يجري الحديث عن مداورة على وزارتي الخارجية والداخلية في حين لا يتم الحديث عن مداورة لا في وزارة المال ولا في وزارة الدفاع ولا في وزارة العدل ولا في وزارة الطاقة وغيرها.

إنّ استحواذ فريق رئيس الجمهورية على وزارات الدفاع والداخلية والعدل لا يمكن أن يكون تطبيقاً عادلاً ومنصفاً لمبدأ المداورة الشاملة. إنّ ذلك يُعتبر من الاستحواذ المقصود على كامل السلطة وعلى مفاصلها الأساسية في وقت لا يتمتع العهد بالثقة الكاملة لإدارة مثل هذه الوزارات في استحقاقات كالانتخابات على سبيل المثال.

إنّ رئيس الحكومة المكلّف عليه واجب تشكيل الحكومة بما أعطاه إياه الدستور من صلاحيات، وإنّ القوى السياسية مطالبة بالإسهام بالحلّ، وإلاّ لماذا يكون الحل على حساب طرف دون آخر.

إنّ واجب رئيس الحكومة المكلّف أنّ يحافظ على التوازن القائم بين مكوّنات البلد وفقاً للديمقراطية التوافقية، وعليه فإنّ المداورة يجب أن تشمل كل الوزارات دون استثناء لتبقي على التوازن القائم، وإلاّ فإنّ أيّ تنازل سيلاحق الرئيس المكلّف إلى يوم الدين. وعليه إمّا أن يشترك الجميع بالحلّ عبر تقديم التنازلات، وإمّا ليتحمّل الجميع المسؤولية عمّا يمكن أن تصل إليه الأوضاع، وما من شيء لا يدعو الرئيس المكلّف عندها إلى التفكير الجدّي بالاعتذار.