العدد 1559 /19-4-2023
د. وائل نجم

الانتخابات البلدية والاختيارية التي كانت مقرّرة في شهر أيّار المقبل أضحت في خبر كان. تمّ يوم الثلاثاء إقرار قانون التمديد للبلديات والمخاتير إلى مهلة زمنية أقصاها عام فيما لو لم تتمكّن الحكومة من إجرائها لسبب من الأسباب، ولكنّ السؤال الجوهري : من الذي يتحمّل مسؤولية عدم إجراء الانتخابات والتمديد للمجالس البلدية والاختيارية؟

ابتدءاً فإنّ النصوص الدستورية وضعت مهلاً واضحة للاستحقاقات الدستورية ومنها الانتخابات البلدية، وتبيّن هذه النصوص أنّ ولاية البلديات الحالية كان ينبغي أن تنتهي في آخر أيّار من العام الماضي 2022، ونظراً لتزامن ذلك في حينه مع الانتخابات النيابية فقد جرى التمديد سنة للبلديات والمخاتير، وبالتالي فإنّ المهلة القانونة أو العمر القانوني لهذه البلديات هو آخر شهر أيّار المقبل، وقد جرى يوم الثلاثاء التمديد لها لعام كامل كحد أقصى.

المسألة الثانية أنّ إجراء الانتخابات هي مسؤولية وزارة الداخلية بشكل أساسي. بمعنى آخر فإنّ وزارة الداخلية هي المنوط بها تنظيم عملية الانتخاب والاقتراع والترشّح وما يتصل بهذه العملية وصولاً إلى عمليات الفرز وإعلان النتائج حيث تدخل مسؤولية وزارة العدل عندها.

من جهتها أعلنت وزارة الداخلية في أكثر من مؤتمر صحفي عقده وزير الداخلية أنّها أنجزت ما عليها لناحية التحضيرات الإدارية المتصلة بالاستحقاق، غير أنّها طالبت بإيجاد التمويل اللازم لتسيير العملية وهو تمويل غير متوفر لديها، وهنا برزت مشكلة جديدة أمام إجراء الانتخابات ليس من اختصاص وزارة الداخلية، ويحتاج إلى تشريع، وهنا دخلت مسؤولية المجلس النيابي الذي ينبغي أنّ يشرّع لهذا التمويل في وقت الدولة تكاد تكون مفلسة وتواجه الحكومة مطالب لا حدّ لها من الموظفين في القطاع العام فيما تعاني الوزارات من عدم توفّر السيولة معها.

المجلس النيابي أراد أن يلقي المسؤولية عن كاهله وحاول حتى اللحظة الأخيرة ان يجعل قرار التأجيل أو تمديد ولاية البلديات عند الحكومة، فيما الأخيرة أرادت أن تلقي بهذا القرار بحض المجلس النيابي، والحقيقة أنّ أغلب القوى السياسية لا تريد أن تجري الانتخابات البلدية والاختيارية، ولكنّ أحداً منها لا يريد أنّ يحمل مسؤولية قرار التأجيل حتى لا يُلصق به ويُتهم بالمسؤولية عن مدّ الفراغ إلى مؤسسات الدولية المحلية، ولذلك بدأت كل قوّة سياسية تحاول أن تلقي بالمسؤولية عن تمديد ولاية البلديات إلى غيرها، أو تحاول أن تلقي بقرار هذا التمديد في حضن غيرها من القوى.

ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية كل قوة سياسية، فبعضها لا يملك التمويل لهذه الانتخابات في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد، وبعضها ليس متفرغاً لها في هذه المرحلة وجهوده منصبّة على ملفات أخرى. وبعضها لا يريد أن يثير المنافسة في بيئته الحاضنة حتى لا يفقد بعضاً من هذه البيئة في ظلّ الظروف والأوضاع التي يعيشها لبنان وهكذا.

استحقاق الانتخابات البلدية كان يجب أن يجري في وقته المحدّد دون إبطاء أو تأخير، وبعيداً عن إمكانية عمل هذه البلديات بميزانيات أم لا، فهي ما زالت قائمة بالبلديات المُمدد لها من دون ميزانيات أيضاً. والدماء الجديدة التي كان يمكن أن تُضخ في شرايين البلديات من خلال نتائج الانتخابات كان يمكن أن تحرّك المياه الراكدة، ولكن يبدو أنّ البعض يريد للشعب اللبناني أن يظلّ يغط في سبات عميق إلى حين استكمال عمليات نهب ثروات هذا البلد بعدما تمّ نهب ودائع الناس في بنوكه!

د. وائل نجم