العدد 1378 / 18-9-2019

د. وائل نجم

اعتباراً من بداية الأسبوع الجاري , شرعت الحكومة في مناقشة مشروع قانون موازنة العام 2020، وهو مشروع لا يختلف كثيراً عن قانون موازنة العام 2019، أو يمكن القول إنه استكمال لهذا القانون بهدف الحد من العجز ورفع نسبة النمو. إلا أن وزير الما علي حسن خليل، أشار خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت يوم الثلاثاء إلى أن النمو في موازنة العام 2020 قد يكون صفراً إذا لم يصار إلى تدارك الأمر والمخاطر، وتحمّل مسؤولية القرارات الصعبة، التي لم يكشف عنها، واتخاذ ما يلزم من تدابير من أجل الإفلات من الأزمة والانتقال إلى ما هو ما يعزز الاستقرار المالي والاقتصادي. كما أن رئيس الحكومة سعد الحريري يعتزم التوجّه إلى فرنسا للقاء المسؤولين الفرنسيين، وفي مقدمهم الرئيس ماكرون، من أجل البحث في تفعيل مقررات مؤتمر "سيدر". ولا ننسى أن مبعوثاً فرنسياً، وآخر أمريكياً زارا لبنان خلال الأسابيع الماضية، وكان الهدف الأساسي، خاصة للمبعوث الفرنسي، متابعة تنفيذ مقررات "سيدر" من أجل الحصول على الأموال اللازمة.

إلا أن المشكلة في هذا الملف هي في التباين والخلاف والانقسام حول مقاربة ملف الأموال والأرقام. فوزير المال علي حسن خليل تقدّم بمشروع قانون موازنة إلى مجلس الوزراء لمناقشته وإدخال التعديلات اللازمة عليه، وأعلن انفتاحه على كل ما من شأنه تحسين الواردات وتخفيض النفقات , دون المسّ بالطبقات الشعبية . إلا أن القوى السياسية والنافذة الأخرى كانت لها وجهات نظر أخرى، وقد يكون ذلك من حقها، ولكن المهم أن تكون مقاربة هذا الملف منطلقة من مصلحة البلد ككل، والمواطنين كافة، وليس لحساب فريق أو شريحة أو منطقة أو أي شي آخر على حساب غيره. وقد رأينا أن التيار الوطني الحر تقدّم بمشروع آخر للنهوض والخروج من الأزمة الاقتصادية، يتقاطع في بعض مواده مع مشروع قانون وزارة المال، ويتخلف في غيرها، وهنا يبدأ النقاش في التباين والانقسام، ويعكس نفسه على الحكومة وأدائها بشكل عام. وكذلك هو الحال بالنسبة للقوات اللبنانية التي قال رئيسها إن وزراءها لن يوافقوا على مشروع قانون الموازنة إذا كان صورة طبق الأصل عن موازنة العام 2019. والقوى السياسية الأخرى ليست بعيدة عن هذا الجو من التباين والانقسام، ونعود ونقول إن ذلك من حقها، ولكن يجب أن يكون مظهراً صحياً يدخل في إطار العمل الديمقراطي، وأن لا يتحوّل مع النقاش إلى مادة تعطّل الحكومة وتحدّ من فعاليتها، وقد رأينا ذلك خلال مناقشة موازنة

العام 2019 تحت عناوين ولافتات مختلفة. إذاً نحن أمام انقسام حول موازنة العام 2020 يضع الحكومة والقوى السياسية فيها أمام تحدّ جديد للبقاء والاستمرار وإيجاد الحلول.

الملف الآخر الذي يضع الحكومة أمام تحدّ آخر له تأثيره عليها هو ملف العملاء للعدو الإسرائيلي. فقد كشفت جريدة "الأخبار" أن السلطات في لبنان سمحت لقائد ما كان يُعرف بـ "معتقل الخيام" إبّان فترة الإحتلال الإسرائيلي، المدعو عامر إلياس الفاخوري، بالدخول عبر مطار رفيق الحريري الدولي إلى البلد، على أساس أن مسألة اتهامه والحكم بحقه سقط بالتقادم إذ مرّ على ذلك أكثر من عشرين عاماً، وبالتالي فلا مسؤولية قانونية عليه، ومن "حقّه"، كما رأى البعض، أن يدخل إلى البلد ويخرج منها ويمارس حياته الطبيعية فيها، ومن دون أدنى نظر لمشاعر وعذابات الذين تأذّوا على يديه في ذاك المعتقل، وهم بالمئات إن لم نقل بالآلاف. وقد كشفت هذه المسألة حجم التباين أيضاً بين القوى السياسية، إذ أن بعضها ما يزال ينظر إلى العمالة على أنها خيانة يجب محاسبة من يقترفها، وهناك من ينظر إليها على أنها وجهة نظر أو مسألة أجبر فيها البعض على القيام بأعمال مع العدو للحفاظ على الوجود.

إن هذا أمر خطير يمس أساس كيانات الدول والمجتمعات، ويقلب المفاهيم، وللأسف هذا ما هو حاصل اليوم، إذ أن الذين تعاملوا مع العدو وقتلوا من الشعب اللبناني وجيشه ومقاومته ما قتلوا، يجدون من يدافع عنهم ويطالب بإعادتهم إلى البلد، في حين يقبع المئات في السجون دون اتهامات قضائية سوى الشبهات التي لا مسوّغ قانوني لها، ومع ذلك لا يجدون من ينصفهم ويعطيهم حقهم.

الحكومة والقوى السياسية المشكّلة لها اليوم أمام هذين التحدين الكبيرين، وهو ما يمكن أن يرسم علامة استفهام حول إمكانية صمودها وبقائها أمام هذا التحدّي، أو انهيارها أمام تلك الفضائح؟ والواضح حتى اليوم أن مصالح القوى السياسية الخاصة والضيقة والفئوية أقوى من المبادىء وجراحات الناس ومشاعرها، لذا من المرجّح أن لا يتحرك ساكن في هذا المستنقع إلا إذا تحرّك الناس لفرض واقع جديد يخرجهم من هذا النفق الأسود.