العدد 1352 / 6-3-2019

طغى فتح ملف مكافحة الفساد الأسبوع الماضي على ما عداه من مواضيع، وأخذ طابعاً سياسياً بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده النائب حسن فضل الله في المجلس النيابي، ولاحقاً من خلال ما سمّي التقرير المالي الذي تقدّم به الى المدعي العام المالي.

الجميع في لبنان -خاصة على المستوى الشعبي- مع مكافحة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، السياسية والادارية وحتى القضائية والأمنية وسواها، لأن اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، ضاقوا ذرعاً بهذا الفساد، ويدفعون أثماناً باهظة جراءه، ويطالبون دائماً بوضع حد له حتى يتمكنوا من تنفّس الصعداء.

إلا أن خطوة النائب حسن فضل الله ظهرت كأنها محاولة لمحاسبة مرحلة سابقة من عمر البلد والجمهورية، وليس فتح ملف الفساد الحقيقي من أجل مكافحته ومحاسبة المسؤولين عنه والمتورطين فيه، وبغض النظر ما إذا كان النائب فضل الله يقصد ذلك أو لا يقصده، ولذلك تم وضعها في خانة الاستهداف السياسي لأبرز شخصية وقفت في مواجهة حزب الله في مرحلة سابقة، هي الرئيس فؤاد السنيورة، الذي اعتبر نفسه مستهدفاً، وبالتالي عقد مؤتمراً صحفياً يوم الجمعة الماضي فنّد فيه مبلغ 11 مليار دولار التي يجري الحديث عن هدرها أو إضافتها الى الدين العام الذي يتحمله لبنان. وقد شرح السنيورة بالتفصيل والأرقام كل ما يتصل بهذا المبلغ، ورفض ضمناً المثول أمام القضاء انطلاقاً من شعوره أن أطرافاً في البلد تسعى لمعاقبته على مواقفه السابقة وجعله كبش فداء لكل الفساد المستشري في البلد.

بالطبع كل خطوة تفتح ملف مكافحة الفساد مرحب بها، بل هي مطلب للجميع على أمل أن تستقيم الأمور في هذا البلد، إلا أن الاستنسابية التي برزت في طرح المواضيع أو مقاربة الملفات تحوّل أية خطوة في هذا الاطار، من خطوة في معركة مكافحة الفساد الى خطوة في معركة تصفية الحسابات والانتقام، وبالتالي من إطار المعركة الشريفة النظيفة الى إطار المعركة السياسية التي تعطي الحق لأي منافس لرد الإتهام، بل وفتح المعارك الأخرى بغض النظر عن عنوانها حتى لا يتحوّل أي مستهدَف الى كبش فداء لفساد تلك الطبقة المتحكمة بمفاصل البلد كلها. وأعود وأقول إن خطوة النائب حسن فضل الله، وبغض النظر عن نيّته أو نيّة حزب الله من خلفه، ظهرت كأنها استهداف لطرف معيّن بذاته، ولم يفلح الحزب بعد ذلك على الرغم من كل التصريحات التي أدلى بها مسؤوله في إقناع الجمهور أنه يريد فتح معركة مكافحة الفساد، ولا يريد الانتقام من أي شخصية أو قوة سياسية أو غير ذلك. ومن هنا وجد الرئيس السنيورة تعاطفاً من بيئته، ليس لأن هذه البيئة لا تريد مكافحة الفساد، أو أنها تريد التغطية على الفاسدين كما راح البعض يصوّر، بل لأن الجميع يدرك في لبنان أن الطبقة السياسية الحاكمة بأغلبها الأعم متورطة في الفساد حتى شحمة آذانها، وكل طرف يملك من الأدلة على غيرها الكثير، لأنهم ببساطة شركاء في هذا الفساد، وبالتالي فإن بيئة السنيورة رفضت أن يتم اقتصار المحاسبة أو المساءلة على شخص واحد أو طرف واحد أو جهة واحدة , فيما بقية الجهات تنعم باستمرار الفساد المعروف. فالأمر ليس احتماءً بالطائفة أو ما سوى ذلك، لأن هذا الأمر لو حصل مع أي مكوّن آخر بهذه الطريقة الاستنسابية السياسية لكان الموقف ذاته قد صدر عن تلك الجهات المعنية والمسؤولة عن ذاك المكوّن.

لذلك لا يمكن القبول بأن تكون معركة مكافحة الفساد استنسابية وباتجاه واحد، لأن الجميع في لبنان يدرك ويعلم , وكما ذكر بعض النواب في جلسة مناقشة الثقة، أن كل الطبقة السياسية بمن فيهم الذين يحاضرون بالعفة، متورطون بالفساد ، كما لا بدّ من التذكير أن الفساد ليس نوعاً واحداً فحسب، بل هناك الكثير من أنواعه المعروفة عند كل اللبنانيين، وعليه فإن الجدّية في فتح معركة مكافحة الفساد أن تفتح بكل الاتجاهات، وعلى كل أنواع الفساد حتى لا يبقى فاسد واحد، وحتى تكون معركة متوازية محصّنة في مواجهة أي انتقاد بعيدة عن الكيد السياسي وحتى الطائفي والمذهبي، وهي معركة لن تترك صاحباً واحداً لمن سيخوضها، ولكنها ستجعل من يخوضها ينال ثقة اللبنانيين جميعاً، وهذا يكفيه، ومن هنا يُطرح السؤال الجدّي: هل كان بدء معركة مكافحة الفساد بهذه الطريقة جدّياً من أجل وضع حدّ له، أم إبراءً لذمة من وعد ذات يوم أنه سيخوض معركة الفساد، والآن يقدّم الأعذار لأن فتحها سيفتح أبواب معارك أكثر قسوة وكلفة منها، وبالتالي يتمّ إقفالها بعد هذا القدر؟!

د. وائل نجم