العدد 1394 / 8-1-2020

د. وائل نجم

المعلومات التي كان يجري التداول بها خلال الأسبوع الماضي كانت توحي بأنّ تشكيل الحكومة الجديدة التي يعمل الرئيس المكلف، (حسّان دياب)، عليها قاب قوسين أو أدنى من الإعلان، إذ أنّ العديد من العقبات التي كانت تعترض طريق هذه الحكومة قد تمّ تذليله، إلاّ أنّ التطوّر الذي حصل فجر يوم الجمعة (3/1/2020) باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد بواطسة طائرات أمريكية، وتعهّد إيران بالرد على الاغتيال، ومن ثمّ قيام الحرس الثوري الإيراني بقصف قواعد أمريكية في العراق، والتلويح بقصف قواعد أخرى في دول أخرى، أعاد خلط الأوراق، وربما وضع المنطقة كلها على صفيح ساخن، وبما ينذر بانزلاقها إلى حرب مفتوحة وكبرى، فهل أعاد ذلك الحسابات في مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية؟

من الواضح أن التطوّرات الجديدة أخّرت إعلان الحكومة ودفعت إلى مزيد من الحسابات عند الأطراف المعنية، لا سيما حزب الله، باعتباره المؤثّر الأساسي في عملية التشكيل، والمعني الأساسي في عملية الاغتيال.

هناك عدة احتمالات تنتظر الحكومة الجديدة المنتظرة، وكذلك جهود الرئيس المكلف حسان دياب.

السيناريو الأول أن يستمر جهد الرئيس المكلف بتشكيل حكومة من أصحاب الاختصاص والكفاءات برضا كامل من حزب الله وعلى قاعدة سحب أية ذريعة من الشارع اللبناني، وأية ورقة ضغط من يد القوى الدولية المستفيدة من الحراك الشعبي. وهنا يمكن القول إن حزب الله سيكون معنيّاً بتذليل بعض العقبات التي تعترض جهود الرئيس المكلف، وخاصة من بعض حلفاء الحزب. ولكن لا يبدو أن الحزب اتخذ هذا المنحى حتى الساعة، والدليل أنه يتعامل مع جهود الرئيس المكلف على قاعدة إعطاء الاهتمام الأول والأساسي لما يجري في المنطقة وليس لجهود الرئيس المكلف، بما يعني حفاظ الحزب على الحالة القائمة، والانتظار.

السيناريو الثاني أن يذهب الحزب باتجاه الضغط من أجل تشكيل حكومة مختلطة "تكنوسياسية" مستفيداً من حالة الضغط والضغط المقابل في المنطقة وعمل الإدارة الأمريكية على احتواء أي ردّ إيراني على اغتيال سليماني، وأغلب الظن أن الحزب يعمل على هذا السيناريو حالياً خلال هذه الفترة، لأنه لا يريد أن ينخرط في مواجهة مفتنوحة، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن التهديدات التي أطلقت، وفي ذلك بالطبع واقعية سياسية تعمل على الحفاظ على المكتسبات ومحاولة مراكمة مكتسبات جديدة إليها مستفيدة من الوضع الجديد في المنطقة، ومسألة تشكيل حكومة "تكنوسياسية" قد تكون مقبولة خلال هذه الفترة وفي ظل هذه الأجواء لدى أغلب الأطراف.

السيناريو الثالث أن يذهب حزب الله باتجاه تشكيل حكومة مواجهة تتماهى مع التهديدات التي يتمّ إطلاقها من المحور الذي ينتمي إليه الحزب، إلاّ أنّ تشكيل مثل هذه الحكومة ليس سهلاً، فهي ستكون أمام تحدّيين: الأول استمرار الرئيس المكلف بمساعيه وجهوده وقبوله تشكيل مثل هذه الحكومة، وهنا نستذكر تلويح مصادر مقرّبة من دياب عن الاعتذار وعدم الاستمرار في جهود التشكيل. وأما التحدّي الثاني فهو مواجهة الأزمة الاقتصادية وهي أزمة ضاغطة وخانقة وتهدد لبنان بالانهيار الشامل، لذا من غير المرجّح أن يكون هذا السيناريو في هذه المرحلة هو المرجّح.

أما السيناريو الرابع فهو أن تستمر الجهود والمساعي، وأن يستمر في مقابل ذلك الفراغ وتصريف الأعمال بانتظار مستجدات المنطقة وتطوّراتها.

الشيء الذي سيحكم ويحدّد أيّاً من هذه السيناريوهات سيتقدّم على الآخر هو حجم الردّ الإيراني على اغتيال سليماني ( وحتى لحظة كتابة المقال كان ردّاً متواضعاً وشكلياً) وحجم الردّ الأمريكي على الردّ الإيراني، ومن خلف ذلك الشكل الذي سيتخذه الصراع بعد هذه التطوّرات.