العدد 1512 /18-5-2022

وأخيراً قُطع الشكّ باليقين وجرت الانتخابات في وقتها وتمخّض عنها مجلس نيابي حمل العديد من المفاجآت التي يمكن أن تفتح مستقبل لبنان على كثير من التوقّعات بغض النظر عن الحديث عن تجاوزات أو طعون أو ما يشبه ذلك.

تراجعت نسب الاقتراع في هذه الانتخابات وبحسب وزارة الداخلية عن نسب الاقتراع في العام 2018. هذه المرّة بلغت 41% أمّا في العام 2018 فكانت أكثر من 49%، وتفاوتت هذه النسب بين دائرة انتخابية وأخرى، وإذا كان ذلك له قراءته السياسية فإنّ هذه النسب لا تؤثّر من الناحية الدستورية على قانونية وشرعية المجلس المنتخب، وعليه فسيكون اللبنانيون اعتباراً من 21 أيّار أمام مجلس جديد وسلطة جديدة.

حملت نتائج الانتخابات مفاجآت عديدة لم تكن متوقعة من قبل المحلّلين والمتابعين، ولعلّ أبرز وأهم مفاجأة هي في أنّ أيّاً من فريقي الانقسام السياسي لم يتمكّن من الوصول بمفرده إلى الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي، ( 64+1 نائب ) وسُجّل في هذا الإطار تحقيق ما يُسمّى ويُعرف بالمجتمع المدنينتائج جيّدة وفاز العديد منهم في العديد من الدوائر وبلغ عدد النواب الفائزين المحسوبين على المجتمع المدني حوالي 12 نائب إضافة إلى نواب مستقلين لا يرتبطون بأيّة جهة حزبية أو سياسية.

أمّا فيما خصّ نتائج الانتخابات بالنسبة للقوى السياسية فيكاد يكون كل حزب حافظ على كتلته بشكل عام مع تسجيل تقدّم طفيف لصالح حزب القوات اللبنانية في الشارع المسيحي، وتكريس زعامة وليد جنبلاط درزياً، والإطاحة بشخصيات من رموز حليفة للنظام السوري.

أمّا سُنيّاً فقد توزّع الناخبون السُنّة بين المرشحين واللوائح في ظل غياب مشاركة تيار المستقبل.

خلاصة القول فيما يتصل بالنتائج أنّ أيّ فريق سياسي لا يمكنه أن يتفرّد في ضوء هذه النتائج بالسلطة أو يستأثر بها، بل هو مضطر لعقد تحالفات وتفاهمات واسعة من أجل ذلك، وهو أمر ليس يسيراً في حالياً.

غير أنّ السؤال الذي يُطرح نفسه حالياً وهو هل يمكن أن تشكّل نتائج هذه الانتخابات مقدمة لإنهاء الأزمة السياسية وتالياً بداية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان؟

الإجابة على هذا السؤال هو رهن بكيفية تعاطي القوى السياسية التقليدية مع نتائج هذه الانتخابات فضلاً عن القوى أو الشخصيات التي دخلت حديثاً إلى المجلس النيابي، وهي بالمناسبة شخصيات بمعظمها كانت تنادي بـ "الثورة" على الواقع وبالتغيير الشامل، فضلاً عن أنّ بعضها كان ينادي بسحب سلاح حزب الله.

دستورياً فإنّ الاستحقاق الدستوري الأبرز هو في تشكيل حكومة جديدة تدير البلد وتعمل على الخروج من الأزمة ومن ضمنها إدارة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو فتح علاقات مع العمق العربي أو المحافل الدولية لبدء مرحلة التعافي الاقتصادي، غير أنّ المواقف الأخيرة المعلنة توحي أنّ الأمور لن تذهب نحو التفاهمات وتقديم مصلحة البلد على المصالح الخاصة أو الأهواء الشخصية.

وهنا يُطرح سؤال آخر وهو هل أنّ القوى السياسية وبفعل هذا التوازن الذي نشأ في المجلس النيابي ستعود إلى نوع من التفكير العقلاني والهادىء بعد انتهاء ضجيج الانتخابات وبالتالي تبدأ التفكير الجدّي والحقيقي في عملية إنقاذ البلد بعد أن تكون قد تشكلت قناعة لدى الجميع بعدم إمكانية أي ّ طرف إلغاء الطرف الآخر؟ أم ترى يتحوّل المشهد السياسي في لبنان إلى ما يشبه المشهد السياسي في العراق حيث ما تزال الاستحقاقات الدستورية من انتخاب رئيس للجمهورية إلى تكليف شخصية تشكيل حكومة رهن الاتفاقات والتفاهمات والتسويات؟

اللبنانيون يأملون الفرج والخروج من دوّامة الأزمات وهذا ما يحمّل الفائزين مسؤولية التفكير بعقلانية وواقعية من أجل الوصول إلى الحلول المنشودة.

د. وائل نجم