العدد 1374 / 21-8-2019
الدكتور وائل نجم

مفاجئة كانت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن ومن دون مقدمات تُذكر. ما من أحد يعرف طبيعة هذه الزيارة ولا أسبابها الحقيقية ولا حتى ظروفها سوى الرئيس الحريري والدائرة الضيّقة المحيطة به فقط. أما النتائج فقد كثُرت الاستنتاجات والتقديرات والتكهنات حولها. الشيء الواضح والمعروف في هذه الزيارة أن الرئيس الحريري زار واشنطن والتقى مسؤولين أمريكيين أبرزهم وزير الخارجية وأن البحث تناول شؤوناً تتصل بالوضع اللبناني بكل تأكيد، أما في التفاصيل فليس هناك أي تفصيل موثّق.

إلا أن العودة بالذاكرة إلى وقت قريب يتضح لنا أن الزيارة جاءت بعيد البيان الذي صدر عن السفارة الأمريكية في بيروت حول المسار الذي كانت تسلكه حادثة قبرشمون، التي كادت تعقّد الأمور في البلد وتأخذها إلى مكان مجهول، فإذا ببيان السفارة الأمريكية، الذي كان شديد اللهجة حتى تمّ وصفه من بعض الأطراف بأنه تدخّل في الشأن الداخلي، يعيد شيئاً من التوازن إلى لعبة " الحرتقات" اللبنانية، فتنفرج الأمور وتتم المصالحة وتعود الحكومة إلى العمل من جديد، وفي ظل ذلك تأتي الزيارة إلى واشنطن.

ليس معروفاً على وجه الدقة إذا كان الحريري هو الذي طلب الزيارة، أم أن الخارجية الأمريكية هي التي وجّهت الدعوة على عجل، وإن كانت أغلب المؤشرات تشير إلى أن الزيارة تمّت بناء لطلب أمريكي ورغبة حريرية.

لبنان جزء لا يتجزأ من مسرح المنطقة التي يتمّ فيها تبادل الرسائل بأشكال مختلفة بين القوى المتصارعة، ولعلّ الأحداث الأخيرة التي ألقت بظلالها على المشهد اللبناني كانت جزءاً لا يتجزأ من تلك الرسائل، وقد تلقفتها الإدارة الأمريكية وشعرت بخطورة المسألة في البلد لذا أصدرت السفارة بيانها ودعت الخارجية الرئيس الحريري لزيارتها من أجل فهم ما يجري بشكل أوضح، ولإبلاغ الحريري بعض الخطوات أو المواقف التي تدخل في إطار الرسائل المتبادلة التي تمّ الحديث عنها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الانقسام العمودي الذي عاد يظهر من جديد في الساحة اللبنانية، لأحد طرفيه مصلحة في إرساء نوع من التوازن في الداخل اللبناني بغض النظر عن الحسابات الأخرى، وهنا تظهر الرغبة عند الأطراف التي تنظر إلى نفسها على أنها مستهدفة أو محل حصار وتضييق، وقد وجدت هذه الأطراف في البيان وفي الدعوة طوق نجاة من الحصار الذي كان يُفرض عليها.

المهم الآن ما حصل في واشنطن مع الرئيس الحريري ويتصل بالمشهد اللبناني، وهنا تأتي الاستنتاجات التي تظل تقديرات إلى أن يكشف الحريري عن مضمون لقاءاته بشكل صريح وواضح. وتذهب بعض التقديرات إلى القول إن الإدارة الأمريكية وضعت الحريري ومن خلفه الحكومة اللبنانية أمام مسؤولية حيال الاصطفاف في المنطقة بين أحد محوري الصراع، وهنا يأتي الحديث عن تضييق على حزب الله في الداخل اللبناني، وإلا فإن الإدارة الأمريكية ستمضي في عقوباتها إلى مناطق كانت إلى الأمس تُعتبر آمنة وغير مستهدفة، ولربما فاتح الأمريكيون الرئيس الحريري بشيء من هذا القبيل وصولاً إلى الحديث عن بعض الأسماء والشخصيات والمؤسسات المتحالفة مع حزب الله، وهو ما يمكن أن يشكّل سابقة بالنسبة لتلك الشخصيات أو المؤسسات، فيما ليس لها قدرة على تحمّله، وقد أشار إلى بعض هذه المعطيات بعض الوزراء المنتمين إلى تيارات سياسية متحالفة مع الحزب، فضلاً عن بعض التميّز الذي بدأ يظهر في أداء الفريق الرئاسي.

بالطبع ما قبل زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن ليس كما بعدها، بغض النظر عن قبولنا ورضانا بذلك من رفضه، وبغض النظر عن تقييمنا لأداء الرئيس الحريري هناك، ولكن شبه الواضح في هذا الموضوع أن الإدارة الأمريكية ذاهبة باتجاه فرض المزيد من الضغوط والعقوبات ليس بهدف شلّ البلد والإطاحة باستقراره الأمني، بل من أجل إخضاع الأطراف الأخرى وتحييد لبنان عن أية صراعات جديدة قد تكون مقبلة في المدى المتوسط أو البعيد، وهي بهذا أعادت شيئاً من التوازن إلى الداخل اللبناني، الذي إذا أحسن اللبنانيون يمكن أن يحوّلوه إلى حالة من الاستقرار الدائم الذي يحفظ البلد بكل مكوّناته.

د. وائل نجم