العدد 1492 /22-12-2021
"نحن غير
معنيّين". هذه هي العبارة التي لخّص فيها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موقفه
وزيارته الأخير إلى قصر عين التينة، وكانت ردّاً على سؤال من أحد الصحفيين، وقد
بدت على الرئيس ميقاتي علامات الغضب والانفعال، حتى أنّ نبرة صوته وطريقة مشيه كانت
توحي أنّ خلفهما سرّاً كبيراً لم يبح به ميقاتي بعد.
ما هو الشيء الذي
قال ميقاتي إنّهم غير معنيين به؟ الحديث كان يجري عن صفقة بين أركان في السلطة
وبين قوى سياسية لتبادل مصالح لها علاقة من ناحية بمسألة المحقق العدلي في قضية
انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، ومن ناحية أخرى لها علاقة بالطعن المقدّم
من قبل التيار الوطني الحر بخصوص قانون الانتخابات لناحية ما اعتمده القانون لجهة
انتخاب المغتربين.
ليس بيد أحد على
الإطلاق نسخة حقيقة جدّية من هذه الصفقة سوى أصحابها، أو من كان من المفترض أن
يكونوا شركاء بها. وبالتالي فإنّ أيّ نصّ لهذه الصفقة يمكن التشكيك به، أو يمكن
لأيّ طرف كان من المفترض أن يكون فيها أن ينفي ذلك وأن يعلن خلافه.
لكنّ الواضح أنّ
الصفقة كانت تذهب باتجاه أن يصار إلى إقالة القاضي البيطار بأي طريقة من الطرق حتى
لو كان فيها تدخّلّ من قبل سلطة في شؤون سلطة أخرى، في مقابل قبول الطعن وفتح
الطريق أمام التيار الوطني الحر ورئيسه إمّا لتأجيل الانتخابات وإمّا لتعديل
القانون فيما خصّ انتخاب المغتربين حتى يكون على هوى هذا التيار. لكنّ شيئاّ من
هذين الأمرين لم يحصل. فالمجلس الدستوري لم يغيّر شيئاً في قانون الانتخاب لأنّه
لم يجمع الأصوات الكافية دستورياً داخله لإحداث التعديل أو ردّ القانون. والمسار
الذي كان يشكّل طرفاً آخر في الصفقة وهو إقالة البيطار لم يحصل أيضاً ولا يبدو أن
الطريق حتى الآن مفتوحة أمامه.
أمّا لماذا قال
الرئيس ميقاتي إنّه غير معنيّ وبشكل غاضب، ومن كان يقصد بكلمة نحن، فتلك حكاية
أخرى؟!
هل قصد الرئيس ميقاتي بكلمة نحن نفسه كرئيس
للحكومة؟ وهل يريد الرئيس ميقاتي أن لا يسجّل على نفسه وعلى حكومته أنّها تدخّلت
بشؤون السلطة القضائية وانتهكت الدستور والنظام؟ ربما يكون هذا هو المقصود
وبالتالي فإنّ الرئيس ميقاتي آثر على نفسه ذلك، خاصة وأنّ الصفقة التي كان يجري
الحديث عنها كان سيتحمل وزرها دون أن يلحق به شيء من غنْمها، وعليه فهو رأى أنّه
غير مستعد للسير بذلك، خاصة وأنّ المجتمع الدولي برمّته يراقب ويتابع مع يجري في
البلد، ويطالب دائماً بالشفافية والاصلاحات وسيادة القانون، والرئيس ميقاتي يجول
دول العالم من أجل فتح ثغرة في جدار الحصار المفروض علّها تكون مقدمة للتخفيف من
أعباء الأزمات التي يعيشها اللبناني. غير أنّ أمراً آخر لا بدّ من الإشارة إليه
وهو أنّ الحكومة هي السلطة التنفيذية التي أناط بها الدستور إدارة البلد وحكمه،
وبالتالي فإنّ هذه السلطة لا يمكن لها أن تكون غير معنيّة، بل يجب أن تكون أساس
إدارة الدولة على الرغم من موازين القوى القائمة، وعلى الرئيس ميقاتي، وهو المعروف
بخبرته في إدارة التوازنات، أن يعيد الاعتبار للسلطة التنفيذية ويحفظ دورها حتى لا
تطغى عليها سلطات أخرى.
وربما يكون الرئيس
ميقاتي قد قصد بكلمة "نحن" المكوّن الذي يمثله في الموقع الذي يشغله وهو
الحكومة، بمعنى آخر أنّ المسلمين السنّة في البلد غير معنيين بأيّة صفقة قد تسقط
حقوق أهالي شهداء المرفأ أو حتى حق المغتربين، ولكن هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ
الحديث عن "كوننا غير معنيين" لا يعفي هذا المكوّن ولا الذين يمثّلونه
اليوم، من مسؤوليتهم الوطنية في الحفاظ على البلد ونظامه ودستوره ومؤسساته حتى لا
يكون ألعوبة بيد أي عابث أو خائف أو طامح.
وفي سياق الحديث عن
الدور الوطني لهذا المكوّن لا بدّ أيضاً من التذكير أنّنا مقبلون على استحقاق
انتخابي نيابي يُعدّ بالنسبة للجميع مفصلياً، وعليه فإنّ المطلوب العمل من أجل أن
يتحصّن هذا المكوّن بكل الأسباب التي تجعله رائداً في الحفاظ على مؤسسات البلد
وعلى استقرارها السياسي وخروجها من هذا النفق المظلم، وبما يضمن الدور الوطني
التاريخي الذي كان فيه هذا المكوّن صمّام أمان للبنان وخير حافظ لأهله وأبنائه.
د. وائل نجم