انعقدت يوم الأحد الماضي بمدينة الظهران في المملكة العربية السعودية، القمة التاسعة والعشرون، بمشاركة ستة عشر ملكاً ورئيساً ومندوباً، وحملت اسم «قمة القدس» بطلب من الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تسلم رئاسة القمة، بعد أن تولاها الملك الأردني (عبد الله الثاني) للعام الماضي، ما أشاع جواً من التفاؤل بأن القمة سوف تكون لها مواقف ومبادرات حاسمة إزاء القضية الفلسطينية، والقدس الشريف على وجه الخصوص.
ويذكر المراقبون أن مؤتمر القمة العربية بدأ في القاهرة عام 1964، وكما أن المؤتمر الأخير لم يضع حداً للانقسام العربي القائم حول القضايا الكبرى، حتى أزمة الانقسام الخليجي التي تجلت بالحصار العربي المفروض على قطر، فإن القمة العربية الوحيدة التي يسجلها التاريخ هي قمة اللاءات الثلاث، التي انعقدت في الخرطوم عام 1967 بعد ما يسمى «النكبة» التي أسقطت في يد العدوّ الصهيوني الأراضي العربية التي باتت محتلة، في الضفة الغربية والجولان وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. ولم تحمل القمم التالية أيّ جديد، سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو سواها، بما في ذلك «قمة الظهران» التي أعلن فيها الملك سلمان عن تبرعه بمائة وخمسين مليون دولار لأوقاف مدينة القدس، وخمسين أخرى لوكالة اغاثة اللاجئين. أما بقية ما صدر عن القمة فهي مجرد خطب لعدد من الزعماء العرب، لم تحمل جديداً، ولم تصحح ما صدر عن عدد من المسؤولين العرب، لا سيما إزاء القضية الفلسطينية.
يعرف الجميع أن البيان الختامي للقمة العربية تمت صياغته قبل أيام من انعقاد القمة، وأن بعض وزراء الخارجية العرب، وبعض مساعديهم، عقدوا اجتماعات بمدينة الرياض (حيث كان مقرراً عقد القمة)، وأجازوا صيغة البيان الختامي للمؤتمر، وأن الملوك والرؤساء اطلعوا على البيان قبل تلاوته في الجلسة العامة، وبالتالي فإن البيان لم يأت بجديد، بل إن الأمين العام لجامعة الدول العربية (أحمد أبو الغيط) خاض سجالاً حاداً على مسمع من الإعلاميين مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بناء على المواقف التي أطلقها ابن سلمان خلال جولته الأمريكية - الأوروبية، مما أحرج الموقف العربي إزاء الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، القطر المضيف للمؤتمر.
وكتعبير عن تناقض الموقف السعودي مع ما صدر عن القمة، فقد نشرت صحيفة الرياض (شبه الرسمية) مقالاً بعنوان «قمة الظهران.. سلام مع إسرائيل ومواجهة مع إيران» بقلم نائب رئيس  تحريرها، جاء فيه: «اليوم لا خيار أمام العرب سوى المصالحة مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام شاملة، والتفرغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، وبرنامجها النووي، ووضع حدّ لتدخلاتها في الشؤون العربية، وهو خيار لا يقبل أي تبرير أو تأخير أو حتى مساومات ومزايدات على القضية الفلسطينية، لأن إيران تشكل تهديداً مباشراً على الكل».
لا أريد هنا التوسع في مناقشة الموقف العربي من إيران، ولا سيما موقفها إزاء النظام السوري والحرب الدائرة على الأراضي السورية، كذلك فقد تكون لإيران مشاريعها الإقليمية أو الطائفية والمذهبية.. لكن أين منها المشروع الصهيوني، الذي زرع في المنطقة «دولة إسرائيل»، وشرّد الشعب الفلسطيني، وما زال يقتل هذا الشعب، بدعم وتأييد من عدد من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وهي ترفض الالتزام حتى بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهذه القرارات (كما أشار محمود عباس في خطابه بالأمم المتحدة) بلغ عددها 750 قراراً للجمعية العامة للأمم المتحدة، و86 قراراً لمجلس الأمن الدولي.. كلها تهدف الى ايجاد حل للقضية الفلسطينية.. فأين هي القرارات التي تضمنها البيان الختامي للقمة العربية.. وأين هي القرارات الصادرة عن القمة من المواقف والتصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الذي كان يتجول في قاعة المؤتمر ويجلس خلف رئيس جلساته الملك سلمان؟! بل أين هي الملايين التي تبرع بها الملك سلمان للأوقاف المقدسية ولوكالة الإغاثة الدولية من المليارات التي أعطيت للرئيس ترامب خلال زيارته للرياض في 21 أيار من العام الماضي، ومليارات الدولارات التي دعم بها الأمير محمد بن سلمان الإدارة الأميركية خلال زيارته الشهر الماضي للولايات المتحدة الأميركية.. وهي الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني واعتداءاته على الشعب الفلسطيني وكل أقطار العالم العربي!!
أين هي القمة العربية من قضايا الأمة العربية؟! سواء في ذلك الخلافات البينيّة بين الأقطار العربية أو الخلافات مع الخارج، لا سيما الدول الغربية أو الشرقية الكبرى.. فمؤتمر القمة، سواء قمة الرياض أو الظهران أو القاهرة أو غيرها، ينبغي أن يعالج القضايا العربية أولاً، بدءاً بالقضايا الداخلية للأقطار العربية، مثل الأوضاع في سوريا أو ليبيا أو اليمن، وقضايا الأقطار العربية مع بقية أقطار العالم، بدءاً بالقضية الفلسطينية، ومنها العلاقات العربية الإيرانية.
أسس العرب منذ أربعينات القرن الماضي «جامعة الدول العربية»، وأقاموا للجامعة مؤسسات ومراكز للأبحاث الاقتصادية والتربوية، ومؤتمرات للوزراء المختصين، ولا سيما وزراء الخارجية والداخلية، بعضها معطل وبعضها الآخر ما زال يمارس أداءه الدوري النظامي.. لكن مؤتمر القمة هو نقطة انطلاق كل هذه المؤتمرات والمؤسسات، وجدير بالقمة العربية أن تتابع أداء مؤسساتها، لا أن يكتفي الملوك والرؤساء بمجرد الاستماع للخطب في جلسات الافتتاح.. فنحن أمة واحدة، لغتنا واحدة، وقضايانا وهمومنا واحدة.. حريّ بنا أن نتابع هذه القضايا والهموم، وان نجد لها حلولاً وعلاجات، لا أن يكون بأسنا بيننا شديداً، وأن ننكفئ على أنفسنا ونترك الساحة لعدوّنا كي يستغل مشاكلنا لتحقيق مصالحه ومعالجة قضاياه.