يكاد العام الأول من حكم الرئيس ميشال عون ينتهي، وكأن هذا العهد ما زال في بداياته، وفي أيامه الأولى، فعلى الرغم من أن رئيس الحكومة (سعد الحريري) كان صاحب المبادرة التي أتاحت لرئيس الجمهورية الوصول إلى قصر بعبدا، وأنه بادر الى الموافقة على انتخاب سليمان فرنجية ثم ميشال عون، على الرغم من أنهما كانا يشكلان خصمين سياسيين للحريري وتياره السياسي (14 آذار)، فإن الرئيس عون، الذي بات يفاخر بأنه «الرئيس القوي» كان وما زال يحرص على أنه يتمتع بأغلبية نيابية واضحة، وكذلك أغلبية في مجلس الوزراء، رغم أن الأغلبية النيابية بعد المشاورات الملزمة هي التي أتت بالحريري رئيساً لمجلس الوزراء، فكان أن احتفظ عون بكتلة وزارية تمثل حزبه (التغيير والاصلاح)، وكتلة اضافية محسوبة على رئيس الجمهورية، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الأقرباء والأنسباء يغصّ بهم القصر الجمهوري كمستشارين لرئيس الجمهورية.
واليوم، بعد مرور عام كامل على بداية العهد وانتخاب الرئيس، كيف هو العهد الجديد، وكيف هي حكومة العهد الأولى، بعد الفراغ الرئاسي الذي استمر قرابة ثلاثين شهراً؟!
كان العنوان الكبير الذي يحرص اللبنانيون على الاتفاق عليه هو «الاستراتيجية الدفاعية» التي عقد الرئيس السابق (ميشال سليمان) سلسلة من الجلسات في القصر الجمهوري لاعتماد صيغتها النهائية، فلبنان ما زال في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل مناطق لبنانية واسعة، وقد سبق له أن مارس عدوانات كبيرة على لبنان، أبرزها عدوان 1982، مما دفع بعدد من القوى اللبنانية الى تشكيل مجموعات قتالية لمواجهة العدوّ الإسرائيلي، بعد أن كان ذلك حكراً على الفصائل الفلسطينية. ونتيجة وقوع لبنان تحت الوصاية السورية، ودعم جمهورية إيران لمقاومة حزب الله، فقد شكلت «المقاومة الإسلامية» التي أعلنها الحزب، أبرز المجموعات القتالية في الجنوب أولاً، ثم في بقية المناطق اللبنانية. لذلك بات من الضروري الوصول إلى اتفاق حول «الاستراتيجية الدفاعية» لتنظيم هذه المقاومة وضبط تحركها على الساحة اللبنانية، وهذا ما جرى الاتفاق عليه في قصر بعبدا في 22 كانون الأول 2008، لكن المعنيين بهذه الاستراتيجية سرعان ما تراجعوا عنها، وعادت الأمور الى الفلتان الأمني والعسكري، بل إلى ما هو أبعد عند مشاركة قوات حزب الله بالقتال الدائر في الأراضي السورية. ولا يكاد أحد يقارب الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية أو تشكيل أحزاب لبنانية،  مجموعات عسكرية، سواء داخل الأراضي اللبنانية أو خارجها في سوريا والعراق وربما اليمن.
الانجاز الكبير الذي يفاخر به العهد هو الوصول إلى تفاهم حول قانون جديد للانتخابات النيابية، يعتمد النسبية والصوت التفضيلي وغير ذلك من التفاصيل. لكن أين هي الانتخابات، وأين نحن منها، وأين هي البطاقة الممغنطة أو البيومترية؟! هناك من يقول انها مستحيلة الانجاز خلال الشهور القليلة القادمة، ومن يطالب بالعودة عنها الى البطاقة الشخصية أو جواز السفر. وقد بادر الرئيس نبيه بري الى الإعلان عن مشروع معجل مكرر يقضي بتقصير ولاية المجلس النيابي الى نهاية العام الحالي، وبالتالي إلغاء ما جرت اضافته على قانون الانتخابات.
أما رئيس الجمهورية ووزير خارجيته جبران باسيل فهما يتحركان بين الولايات المتحدة الأميركية والجمعية العامة للأمم المتحدة، الى باريس ليفتتح فيها شوارع ويسترجع فيها مراتع صباه حين لجأ إليها عام1990.
لكن، حين لم يجد العهد الجديد قضية يعمل على الترويج لها، سواء في الداخل أو الخارج، لجأ الى اقتناص كلمات قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث فيها عن الحرب الدائرة في سوريا وعن قضية النازحين السوريين الى الأقطار المجاورة وكل أنحاء العالم. اقترح ترامب «اعادة توطين المهاجرين الفارين من الأزمات في أنحاء العالم.. في أقرب ما يكون من أوطانهم.. لأن استخدام تكلفة اعادة توطين لاجئ واحد في الولايات المتحدة تكفي لمساعدة عشرة لاجئين في أراضيهم»، فتحولت القضية الى مشروع أمريكي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في الأراضي اللبنانية.. وأن لبنان الذي استقبل مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين (500 ألف) ثم مليوناً وعدة مئات آلاف السوريين، لن يستطيع تحمل هذا العبء. وهذا صحيح، لكن من الذي اقترح توطين النازحين السوريين في لبنان، وهل هناك فلسطيني واحد يطالب بأن يجري توطينه في مخيم فلسطيني لا تتوفر له فيه أي من أسباب الحياة الحرة الكريمة.. بينما وطنه الأصلي في فلسطين لا يبعد عنه سوى عدة كيلومترات.
ليست هذه هي السقطة الأولى للعهد الجديد، فوزير الخارجية جبران باسيل يصول ويجول، ويخطب ويتحدث باسم العهد وسيّد العهد، دون أن يستأذن رئيس وزرائه، سواء في قانون الانتخابات ومشاركة المغتربين فيها، أو بالنسبة للموقف من النظام السوري الذي فقد شرعيته بعد سقوط مئات الألوف من الشهداء، ونزوح ما يزيد على عشرة ملايين سوري، سواء داخل الأراضي السورية أو خارجها، في تركيا ولبنان والأردن وبقية أقطار العالم.. مما حمل الرئيس الأمريكي على المطالبة بتوطين النازحين السوريين في المناطق الآمنة من سوريا، أو في الأقطار المجاورة للقطر السوري المنكوب.
يضاف الى كل ذلك استئثار القصر الجمهوري بالقرار، مع أن الدستور اللبناني، لا سيما بعد الاصلاحات التي أضافتها إليه الطائف، أناط المسؤوليات بمجلس الوزراء مجتمعاً، وليس بأي وزير أو برئيس الجمهورية. لكن ما يجري هو عكس ذلك، فقد بات القصر الجمهوري هو المقر الرسمي لاجتماعات مجلس الوزراء، بينما الدستور اللبناني ينص على أن اجتماعات مجلس الوزراء تنعقد في القصر الحكومي برئاسة رئيس الحكومة، وإذا حضر رئيس الجمهورية فهو يتولى رئاسة الجلسة. أما اليوم فقد باتت اجتماعات الحكومة في مقر رئاستها مجرد اجتماعات لـ«اللجان الوزارية» ريثما يعود رئيس الجمهورية من سفره، لينعقد مجلس الوزراء برئاسته، وفي قصر بعبدا دون سواه.}