العدد 1408 / 8-4-2020

د. وائل نجم

انتشار وباء "كورونا" على نطاق واسع في العالم أصاب العديد من المجتمعات بمقتل كبير وضاعف من حجم وتأثير الأزمات التي كانت تعانيها أصلاً، وفتح باب التوقعات على انهيار تلك المجتمعات.

في لبنان عانى الناس ما قبل انتشار "كورونا" في البلد من أزمات اقتصادية وحياتية معيشية حادّة دفعت الناس في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019 إلى الانتفاضة على الواقع المعيشي وحالة الفساد والبطالة والفقر التي كانت آخذة بالتوسّع والانتشار، فجاء الوباء ليزيد من حدّة الأزمة ومن تاثيرها الاقتصادي والاجتماعي. واليوم فالحجر المنزلي وإقفال المؤسسات العامة والخاصة في ظل التعبئة العامة وفرض حظر التجوّل ليلاً إلى الاجراءات الأخرى المتخذة أثّرت سلباً على مستوى معيشة المواطنين، وزاد من حالات الفقر والعوز، وهو ما دفع إلى البحث عن البدائل التي يمكن أن تخفّف من الآثار والتداعيات، سواء من خلال تأمين المستلزمات الحياتية اليومية عبر البحث عن مداخيل جديدة، وهي غير متوفرة أصلا، أو من خلال التقليل من حجم الانفاق العائلي وهو في حدوده الدنيا أصلا أيضاً، أو من خلال وسائل أخرى.

لقد نشطت في الأيام الأخيرة الدعوات إلى التضامن والتكافل الاجتماعي بين المواطنين على المستويات كافة، بدءاً من العائلات الصغيرة إلى الأحياء أو القرى والبلدات، وصولاً إلى المدن والمؤسسات الكبرى، وتمّ إطلاق العديد من المبادرات الفردية والشخصية والمؤسسية والمختصة من أجل إشاعة أجواء التكافل الاجتماعي والوقوف إلى جانب البعض للتخفيف من آثار وتداعيات الوباء والأزمة الاقتصادية على العائلات الفقيرة والمحتاجة والأشد فقراً، وفي ذلك شراكة يمكن أن تكون غير منسقة بين الدولة من ناحية وبين المجتمع الأهلي ممثلاً بالجمعيات والمؤسسات الخيرية أو حتى الأفراد من ناحية ثانية، وهي مبادرات لها دورها الكبير والمؤثر في مثل هذه الحالات التي تصيب المجتمعات وتفتك بها.

من بين المبادرات التي أطلقت كانت المبادرة التي أطلقتها "إذاعة الفجر" تحت عنوان الجسد الواحد. فعلى الرغم من أنّ الإذاعة مؤسسة إعلامية واجبها الأساسي القيام بدور التوجيه والإرشاد والتوعية، وقد قامت الإذاعة، وما تزال، بهذا الدور، إلاّ أنّها آثرت أن تشيع في المجتمع، ومن موقعها الإعلامي، أجواء التكافل بين أبناء الوطن، حتى لا تظل مبادرات التكافل محدودة في نظاق ضيّق، فأطلقت مبادرة الجسد الواحد لحث الميسورين من أجل الوقوف والتكافل مع المعسرين تخفيفاً عنهم في معركة الصمود بوجه ذاك الوباء الفتّاك.

إنّ مثل هذه المبادرات في ظل الأوضاع التي يمرّ بها البلد تعدّ من الأسباب الحقيقية للتغلّب على الوباء والأزمات، فإشاعة أجواء التضامن والتكافل في مثل هذه الأجواء تخفّف من الأعباء من ناحية، وتُشعر أن الناس لبعضها، وتفتح أبواب الرحمة الإلهية. ولذلك فإن الدعوة مفتوحة لكل من يجد في نفسه مقدرة على أن يكون شريكاً في مثل هذه الحملات للمبادرة والإسهام ولو بقدر ضئيل أو قليل فهو أفضل من الحرمان، كما أنّ الدعوة موجّهة للعائلات المتعفّفة والفقيرة كي تحافظ على تعفّفها فلا تأخذ إلاّ ما هو حاجة أساسية لها يبقيها على صمودها واستمرارها، فهي معركة الجميع في مواجهة الوباء.

في كثير من الأحيان يمكن للإنسان أن يحوّل المحنة إلى منحة، وأمام هذا الوباء الذي فتك بالعالم يمكننا أن نستعيد الكثير من القيم التي لطالما كانت الحصن الحصين لمناعة مجتمعنا، ومنها قيمة التكافل الاجتماعي التي تجعل الفقير يشعر بالغنى في ظل مجتمع لا يتخلّى عنه، والغني يشعر بالراحة النفسية وهو الذي يساند الفقير حتى لا يصل الوباء إلى كل مكان، وبذلك يمكن أن تتحوّل المحنة إلى منحة إنسانية تسمح للإنسان بإعادة استجماع قواه من جديد لمواصلة الصمود في معركة مكافحة الوباء.

بيروت في 8/4/2020