العدد 1372 / 31-7-2019
الدكتور وائل نجم

قبل عدة أسابيع، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أخذ وزير العمل كميل أبو سليمان، قراراً بتفعيل قانون العمل اللبناني لناحية العمّال الأجانب، خاصة العمال السوريين في ظل ارتفاع منسوب الخطاب الذي يحمّل اللاجئين السوريين بشكل خاص مسؤولية كبيرة عن الوضع الاقتصادي المتردي والآخذ بالانهيار في لبنان، فشرعت يومها وزارة العمل في عمليات تفتيش ومتابعة للمؤسسات التي تشغّل عمّالاً سوريين، ونظّمت بحق بعضها محاضر ضبط، وطلبت من أخرى تنظيم وضعها القانوني. كما طلبت من العمّال السوريين الذين ضبطتهم بالحصول على إجازات عمل وفق الأطر القانونية المعمول بها في لبنان.

لا شكّ أن تلك الحملة التي قادتها وزارة العمل بحق العمّال السوريين لاقت اعتراضات من جهات محلية، كما لاقت تأييد من جهات أخرى على أساس أن هذه الخطوة تنظّم العمالة السورية تحديداً، وتسمح بإيجاد فرص عمل للبنانيين من ناحية ثانية.

إلا أن الإشكالية الكبرى نشأت عندما قاربت الوزارة بتفعيلها القانون عمالة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فهذا ملف يختلف جذرياً عن ملف العمالة السورية أو غيرها من العمالة الأجنبية، خاصة أن عملية تفعيل القانون بحق اللاجئين الفلسطينيين جاءت بعيد ورشة المنامة الاقتصادية في مملكة البحرين، التي جرى الحديث حينها على أنها المقدمة الاقتصادية لما يُعرف بـ "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، وتالياً توطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، وهنا ارتاب اللاجئون الفلسطينيون من هذه الخطوة التي قامت بها وزارة العمل، وشعروا بالخطر والقلق الشديدين من عملية غير معلنة تهدف إلى تصفية قضيتهم وحقهم بالعودة إلى بيوتهم وقراهم وبلداتهم، وتالياً توطينهم في البلد، أو تهجيرهم منه، ولذلك تم رفض إجراءات وزارة العمل والاحتجاج عليها، وشرعت مخيمات لبنان من حينه في إضراب مفتوح وحركة احتجاجات لا تتوقف، متمسكين بحقهم بالعودة، ورفضهم التوطين أو التهجير، ومطالبين بحقوقهم المدنية كلاجئين في البلد، وقد أخذت التحركات الفلسطينية الطابع السلمي، وأكد القيّمون عليها حرصهم على أمن واستقرار لبنان، وعلى أفضل العلاقات مع أشقائهم اللبنانيين.

وإذا كان وزير العمل اللبناني يتسلّح بأنه لم يقرّ قانوناً جديداً يطاول اللاجئين الفلسطينيين , بل كل ما فعله هو تفعيل القانون القائم، وهو بالطبع محق فيما يعلنه، إلا أن من المهم الإشارة إلى حقيقة أخرى هي أن تفعيل هذا القانون في ظل الظروف القائمة حالياً في المنطقة، والحديث المتعاظم عن "صفقة القرن" التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية تجعل من حق أي إنسان أن يرتاب، وأن يشعر بالقلق والحذر، إذ أن البيئة والظروف غالباً ما تضفي على أي قانون أو على أي عبارة معنى معيناً ربما تخرجه أو تخرجها عن سياقها الطبيعي، وهذا ما حصل عند الحديث عن تفعيل القانون في ظل الظروف عن صفقة قرن، وبالتالي فإن لبنان كان بغنى عن هذه المسألة خاصة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من الدورة الاقتصادية اللبنانية، بل أكثر من ذلك هم يشكلون جزءاً رافداً للدورة الاقتصادية اللبنانية من خلال الأموال التي يرفدها بهم ذووهم من أبنائهم أو أهليهم العاملين في الخليج أو في أوروبا أو أميركا أو أي مكان من العالم. وبالتالي فإنهم عنصر قوة للاقتصاد اللبناني وليسوا عنصر ضعف. فضلاً عن أن القانون اللبناني أجاز لهم العمل في قطاعات محددة فيها نقص لليد العاملة اللبنانية، ومنعهم من العمل في قطاعات ومهن أخرى فيها فائض لليد العاملة اللبنانية، وهو ما يجب أن يسهم في تنظيم هذا الأمر وتحويله إلى فرصة بدل أن يكون مشكلة.

الأمر الآخر المتصل بهذا الملف هو أن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي ضمّت معظم الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وخلال حوارها الذي جرى خلال الأعوام السابقة، توصلت إلى خلاصات بضرورة منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية في لبنان، وتنظيم شؤونهم بشكل يريحهم ويريح الجانب اللبناني، وقد وافقت على هذه الخلاصات والمخرجات كل الأحزاب اللبنانية بما فيها التي تثير هذه الضجة والضوضاء اليوم، وبالتالي الأمر اليوم لا يحتاج أكثر من أن تصدر المراسيم لهذه الخلاصات في مجلس الوزراء حتى يتم الانتهاء من هذه الاشكالية وإلى الأبد.

لقد أثبت اللاجئون الفلسطينيون أنهم يتمسكون بحق العودة إلى فلسطين أكثر من أي وقت مضى، كما أثبتوا أنهم ضد التوطين في لبنان أو في أي بلد آخر، لأن ذلك ينهي قضيتهم، لكنهم أيضاً ضد التهجير الذي يفضي إلى النتيجة ذاتها، وبالتالي فإن المصداقية اللبنانية في إنصاف الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم من أجل مصلحتهم ومصلحة البلد تكون عبر إصدار مراسيم مخرجات هيئة الحوار، وبانتظار ذلك التخفيف من وطأة القانون عبر الاستثناء الذي كان معمولاً به من كل وزراء العمل السابقين.

د. وائل نجم