العدد 1358 / 17-4-2019
الدكتور وائل نجم

حلّت قبل أيام الذكرى الرابعة والأربعون لاندلاع الحرب الأهلية المشؤومة في الثالث عشر من نيسان عام 1975. وبعيداً عن حجم الخسائر على المستويات البشرية والمالية والمادية والمعنوية. وبعيداً عن الأسباب التي أدّت إلى اندلاع تلك الحرب المجنونة. وبعيداً عن المستفيدين والرابحين والخاسرين، وأظن أنه على المستوى الداخلي كان الجميع خاسراً، فقد أوجدت هذه الحرب العبثية ثلماً كبيراً وشرخاً واسعاً في الساحة اللبنانية، بل أكاد أقول إن المستفيدين الخارجيين منها، والذين كانوا يحركّونها من وراء ستار، وهم كثر، راحوا يحاولون تعميم تجربة ونتائج هذه الحرب على بقية دول المنطقة بهدف إيجاد ذاك الشرخ والثلم بين أبناء المجتمع الواحد. والحقيقة أنهم استطاعوا أن يوجدوا بيئات قابلة لنتائج مشابهة لنتائج حربنا المشؤومة في بلدنا لبنان.

اليوم , بعد مضي هذه الأعوام على الحرب العبثية المشؤومة، وبعد مضي قرابة ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب يموجب اتفاق الطائف في العام 1989. وبعد دخول لبنان فترة من الاستقرار النسبي طيلة هذه الأعوام، وفي ضوء السياسيات التي اتعبت على مدى الأعوام الثلاثين التي خلفت الحرب، ومن قبل العهود والحكومات التي حكمت لبنان وفي ضوء الأحوال الأهوال التي نعيشها على المستويات المعيشية والاقتصادية والأمنية والسياسية ، وفي ضوء حديث المسؤولين في الداخل، وحتى المتابعين من الخارج عن قرب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان : يُطرح السؤال المشروع : هل نحن الآن أمام دولة فاشلة؟ هل تتحمّل الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان مسؤوليتها باقتدار لإدارة البلد والخروج من الأزمات التي يعيشها ويعانيها؟ أم ترى الأمور مختلفة عن ذلك، وتهدد بانهيار كامل على المستويات كافة؟!

الحقيقة المُرّة التي ينبغي أن نعترف بها أننا في لبنان، وإذا لم نبلغ بعد عتبة الفشل الكلي للدولة من أجل إعلانها دولة فاشلة، إلا أننا أمام هذه العتبة مباشرة، بل ربما خطونا بعض الخطوات فوق هذه العتبة، وبالتالي بدأنا مرحلة الفشل التي ستفضي إلى إعلان لبنان دولة فاشلة، أو إلى دخوله فوضى عارمة على المستويات كافة بما فيها المجتمعية التي يمكن أن تعيد إنتاج الحرب المشؤومة من جديد.

ينبغي أن يدرك الكثير ممن ينتمي إلى الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، ومن القوى السياسية التي تشارك بإدارة المشهد السياسي فيه، أن السياسات التي يعتمدونها في إدارة الكثير من الملفات تأخذ البلد نحو الفشل والفوضى والحرب المشؤومة المرفوضة من الجميع. ينبغي أن يعرف هؤلاء أن إكراه الشركاء في الوطن على القبول بسياسات أمنية أو عسكرية أو اقتصادية أو عامة أو غير ذلك , لا يمكن أن تقوده ، عاجلاً أو آجلاً إلى التمرّد على هذه السياسات، وبالتالي إعادة إنتاج المشكلة التي سببت في وقت من الأوقات الحرب الأهلية.

لقد اتفق النواب اللبنانيون على وضع حد للحرب في مدينة الطائف السعودية في العام 1989 وهم يعرفون أن هذا الاتفاق ليس كاملاً أو منزلاً، إلا أنهم ادركوا الحاجة إليه لأنه لم يسمح لأي طرف بالهيمنة على البلد، وأقر مجموعة مبادىء وخطوات كان من المفترض أن تشكّل خريطة طريق لتعزيز الاستقرار والشراكة الفعلية الحقيقية، إلا أن التصرّف خلاف هذه المبادىء والخطوات، ومحاولات الاستئثار والهيمنة على الدولة والبلد من جديد، وتصوير بعض الحالات القائمة في البلد وكأنها عنصر تفجير له، والتعامل معها على هذا الأساس، ومحاولات إعادة عقارب الزمن إلى الوراء في محاولة لاستعادة ما يُعتبر من الحقوق .. إن كل ذلك يجعل البلد يعيش حالة من الفشل التي نعانها بشكل يومي، نعاني من تداعياتها على الدوام، وها نحن اليوم نبحث عن حل للأزمات الحياتية والمعيشية التي لا نجد، للأسف، حلاً لها حتى الساعة ونحن نبحث عن حل لإقرار موازنة عامة للعام 2019.

في ذكرى الحرب المشؤومة والمرفوضة من الجميع، إذا لم يتم تدارك المسألة والأخذ على أيدي بعض العابثين بأمن واستقرار البلد تحت عنوان المصالح الخاصة والفئوية والضيقة، فإن لبنان قد يكون عرضة للدخول في حالة فشل كبيرة تدفعه نحو حرب مشؤومة جديدة تقضي على ما تبقّى من أمل بالخروج من هذا التيه.

د. وائل نجم