العدد 1355 / 27-3-2019
الدكتور وائل نجم

تشكيل الحكومة الأخيرة، حكومة إلى العمل، برئاسة الرئيس سعد الحريري استغرق قرابة عشرة أشهر. جزء أساسي من العقد التي كانت تحول دون عملية التشكيل تمثّل حينها بمطلب التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل بأحد عشر مقعداً وزارياً ( حصة التيار مجتمعة مع حصة رئيس الجمهورية) في الحكومة الثلاثينية. يومها عارضت أغلب القوى السياسية والكتل النيابية حتى لا تكون الحكومة رهينة أي طرف من الأطراف، حتى تمّ الاتفاق، بعد حلّ أغلب العقد، على الصيغة الحالية التي اعتبر فيها الوزير باسيل أنه يملك في الحكومة الثلث زائداً واحداً، وبالتالي يمكنه أن يدير الحكومة كيفما يريد، ويسقطها عندما يشاء.

والحقيقة أن هذه النسبة إذا كانت موجودة فعلاً، فهي ليست ملك التيار الوطني الحر، على الرغم من قيام الوزير باسيل بإرغام وزراء التيار على التوقيع على استقالات مسبقة يمكن أن يلجأ إليها ويستخدمها في أي وقت، بينما هذه النسبة جزء منها يمثّل التيار الوطني الحر، وهو حرّ في سياسته ومواقفه وتوجهاته، وجزء آخر منها يمثّل رئيس الجمهورية، وهو يمثّل كل اللبنانيين والضامن للاستقرار والحامي للدستور، وبالتالي ليس من حق أي طرف أو جهة أن تدّعي حق التصرّف بهذا التمثيل سوى الرئيس، وأي تصرّف أو إشارة لهذا التمثيل يُعدّ اعتداء على حصة الرئيس إن لم نقل على صلاحياته.

ما استدعى هذا الشرح والتذكير هو ما صدر عن رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل قبل أيام، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر بروكسل الذي خصص لبحث مسألة اللاجئين السوريين. يومها الوزير باسيل لوّح بإسقاط الحكومة إذا لم تسر الأمور كما يريد، وقال ما حرفيته : "أو عودة النازحين أو الحكومة، أو نطرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء، أو لا حكومة، إما عجز الكهرباء صفر، أو حكومة صفر ولا حكومة. هو تلويح وتهديد صريح كان من باسيل بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وهي بحسب العهد، حكومته الأولى. فمن أين لباسيل أن يستطيع إسقاط هذه الحكومة سوى التصرّف بحصة رئيس الجمهورية فيها؟ وهل هذا مقبول؟!

من الواضح أن الملف الأساسي الذي يريد الوزير باسيل أن يستمد منه مزيداً من الشرعية في الساحة المسيحية، أو بالأحرى احتكار الساحة المسيحية، هو ملف اللاجئين السوريين إلى لبنان. يريد أن يحوّل هذا الملف إلى فزّاعة للمسيحيين وأن يبني زعامته من خلال إثارة الهواجس والمخاوف دونما اعتبار لمصالح البلد، أو رأي المكوّنات الأخرى فيه، أو حتى صلاحيات كل سلطة من سلطاته. وفي الحقيقة أن هناك إجماعاً وطنياً من كل المكوّنات على إعادة اللاجئين السوريين والفلسطينيين كذلك، ولكن لا بدّ من توفير الظروف المناسبة لذلك بما فيها توجهات الجامعة العربية والمجتمع الدولي، وهذا إذا اعتبرنا أن النظام في سوريا وحلفاءه جادّون في عملية إعادة اللاجئين، لأن الكثير من المعطيات العملية لا تشير إلى رغبة عند النظام وحلفائه في استعادة اللاجئين، وإلا لماذا لا يصار إلى إعادة أهالي القصير والزبداني وعموم أهالي القلمون الغربي إلى بلداتهم وأرضهم، وهي مناطق تشهد نوعاً من الاستقرار الأمني بعدما باتت خاصعة بشكل كامل لسيطرة قوات النظام وحلفائه؟! من الواضح أن الرغبة هي في استعادة البعض وعدم استعادة البعض الآخر، في حين أن المطلوب هو أن يكون هناك مشروع كامل لإعادة الجميع إلى ارضهم وبلداتهم ومنازلهم وفي أجواء تحفظ أمنهم واستقرارهم وكرامتهم.

لقد ذهب الرئيس عون ومعه الوزير باسيل من ضمن وفد رسمي إلى روسيا بحثاً عن حلّ لإعادة اللاجئين السوريين، ولم يحصلوا على أكثر مما كان معروضاً في بيروت وهو محل اتفاق بين الجميع، لذا من غير المناسب أو المقبول أن يتمّ اللجوء إلى إثارة مثل هذه الملفات من أجل "إرهاب" الحكومة وإخافتها ووضع رئيسها تحت ضغط التهديد بالاستقالة، وتالياً إسقاطها.

ليس بهذه الصورة يتم بناء الأوطان، ولا بهذه الصورة تتم عمليات الإصلاح والتغيير، إلا إذا كان الإصلاح يعني القضاء على الطرف الشريك، والتغيير يعني شطبه من المعادلة وتطويعه لصالح منطق الغلبة والتحكّم بالمشهد بشكل كامل. إن هذه الطريقة لن تكون نافعة، بل سترتد سلباً على البلد وعلى كل مكوّناته، على العهد أيضاً، ومن هنا يبنغي عدم التهاون في مواجهة مثل هذه العنتريات، أو "الولدنات" إذا صحّ التعبير، حتى لا تتحوّل إلى سياسة يومية تنسف كل ما تمّ التوصل إليه من قناعات بضرورة الحفاظ على هذا البلد لكل أبنائه على قدم المساواة.

 

د. وائل نجم