العدد 1522 /3-8-2022
د. وائل نجم


بدا واضحاً خلال الأيام الماضية الاهتمام الكبير من أركان الدولة جميعاً بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي. الرؤساء الثلاثة، وزير الخارجية، نائب رئيس مجلس النوّاب، وغيرهم منخرطون في تلك المفاوضات، وفي اللقاءات والاجتماعات التي قرّبت البعيد وخفّضت التوترات.

من الطبيعي جدّاً أن يكون هذا الاهتمام بهذا الملف الحيوي والسيادي. فآمال الطبقة السياسية التي تتحكّم بمفاصل الدولة معقودة على هذا الملف الذي يخفي خلفه ثروة نفطية وغازية هائلة تغري بمزيد من استحواذ هذه الطبقة عليها. وتمنح هذه الطبقة فرصة جديدة لمزيد من الكسب والاستحواذ على المزيد من الأموال والثروات اللبنانية بعد أن أوصلت هذه الطبقة إلى ما وصلت إليه من سوء بالغ.

إلاّ أنّ الشيء غير الطبيعي هو في التجاهل الكلّي من هذه الطبقة لأزمات اللبنانيين الكثيرة والمتعدّدة والمتناسلة يومياً!

وهنا من حقّ اللبناني أن يسأل: أين صار تشكيل الحكومة لبنان في أحوج ما يكون لحكومة أصيلة تقوم بالعمل من أجل معالجة الأزمات التي يعاني منها؟ أين صارت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على ثلاثة مليارات دولار تخفّف من وطأة الازمة الحياتية على المواطنين؟

أين مساعي زيادة التغذية بالكهرباء بعد أن وصلت إلى الحضيض مع هذه الحكومة ومع هذا العهد واللبناني لم يعد يتمتّع بكهرباء الدولة أكثر من ساعتين في اليوم والليلة؟

أين الحلول لأزمة الأدوية والمستشفيات والهيئات الضامنة واللبناني بات يموت على أبواب المستشفيات لأنه لا يمتلك القدرة المالية التي تخوّله ذلك، ولا يملك أيضاً ثمن حبّة الدواء؟

أين الحكومة وأركان الدولة من هجرة اللبنانيين عقولاً وشباباً ورؤوس أموال وغيرهم؟

من الواضح أنّ أركان الدولة منشغلون في متاهاتهم ومصالحهم وخلافاتهم على اقتسام ما بقي من ثروة وما هو مقبل من نفط وغاز. منشغلون في استحواذهم على مقاعد وزارية ورئاسية ونيابية دون أيّ اعتبار لمعاناة وأنين اللبنانيين. وما اجتماعهم على ملف الترسيم والنفط والغاز إلاّ لأنّه مادة دسمة جديدة ومغرية وتفتح شهيّتهم على مزيد من الكسب ووضع اليد على ثروات البلد ومقدراته.

من هنا ندرك لماذا يهتمّ أركان الدولة بمفاوضات الترسيم ولا يلتفتون إلى الأزمات لإيجاد الحلول المطلوبة لها. ليس همّم في إيجاد الحلول، إنّما همّهم هذا الملف الجديد المغري والذي يمكن أن يضاعف حجم ثرواتهم.

ويبقى السؤال: هل ستسير الأمور كما يشتهون؟ أم أنّ الآمال ستتبخّر وتذهب مع الريح؟

الواضح حتى الآن أن هذا الملف مرتبط بشكل وثيق مع ملفات أخرى وكبيرة في المنطقة، وهذه الملفات لم تجد بعد لها أيّ حلّ في وقت قريب، ولذلك قد يطول الانتظار وتطول معه أزمات اللبنانيين.

د. وائل نجم