العدد 1491 /15-12-2021

لم تفلح كلّ الوساطات والمحاولات التي بُذلت في إعادة وصل ما انقطع من علاقات لبنان ببعض دول الخليج العربي، فلا الوساطة الفرنسية التي تولاّها الرئيس الفرنسي أعادت المياه إلى مجاريها، ولا المواقف والتصريحات التي صدرت عن قيادات وشخصيات لبنانية بدءاً من رئيس الجمهورية مروراً برئيس الحكومة وصولاً إلى مرجعيات دينية وغير دينية شفعت للبنان عند الخليج، وعند السعودية على وجه التحديد، ولا التمنّيات التي صدرت عن بعض من يُحسبون على الطرف الخليجي في لبنان ليّنت مواقف بعض العواصم العربية. هذا فضلاً عن أنّ ما تُعدّه بعض العواصم تدخّلاً في شؤونها واستهدافاً لها لم يتوقف أصلاً، وهو بالمناسبة لم يُفلح أيضاً في وقف الإجراءات الخليجية، ولم يعيد الوضع إلى طبيعته.

أمس القمّة الثانية والأربعون لدول مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في الرياض شدّدت على إجراء الإصلاحات في لبنان، وأشارت إلى أنّ إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين لبنان ودول المجلس تحتاج إلى وضع حدّ لما سمّته القمة نشاطات حزب الله "الإرهابية"، كما دعت القمة الجيش إلى فرض سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وإلى وقف التهريب والأنشطة المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة، ورعاية تلك الأنشطة من قبل جهات في لبنان.

هذا البيان يُعدّ استمراراً لحالة الضعط التي بدأتها دول مجلس التعاون الخليجي على لبنان، ولا يعني على الإطلاق أنّ العلاقة بين لبنان ودول المجلس تتجه نحو الهدوء وإعادتها إلى طبيعتها.

وفي مقابل ذلك فإنّ الطرف الأساسي المعني أو المستهدف بالإجراءات الخليجية وهو حزب الله لم يُعر أيّ اهتمام لهذا الموضوع، ولم يرضخ للضعوط الخليجية، بل على العكس من ذلك فقد واصل سياسته التي اعتمدها دونما تراجع أو تعهّد بالتخلّي عنها، وهو قد رعا بشكل غير مباشر محاولة تنظيم مؤتمر للمعارضة البحرينية في بيروت، وهو الشيء الذي اعترصت عليه دول المجلس وأقامت الدنيا واقعدتها بسببه، كما وأنّ العديد من تصريحات مسؤوليه تضمّنت خلال الفترة الأخيرة هجوماً استهدف سياسة السعودية تحديداً وإن بوتيرة أقلّ من السابق.

يبدو أنّ أفق العلاقة بين الخليج ولبنان اليوم بات محكوماً بهذا الشكل القائم. لا تراجع عن الإجراءات الخليجية التي اتخذت بحقّ لبنان، ولكن لا إجراءات جديدة في الوقت الحالي، في مقابل لا تراجع في سياسة ومواقف حزب الله من السعودية، ولا تصعيد أيضاً في الوقت الحالي بانتظار ما ستسفر عنه المحادثات النووية في فيينا، أو اللقاءات السعودية الإيرانية الأمنية في عمّان برعاية أردنية.

إذاً لبنان على سكة الانتظار، وبات محكوماً بهذه المعادلة التي وحدها حتى الساعة قادرة على إعادة تطبيع علاقاته مع محيطه، أو تصعيد هذه العلاقة، وبالتالي تحمّل المزيد من الضعوطات والأزمات والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية وربما الأمنية في لحظة من اللحظات.

على اللبنانيين أن يعترفوا بالعجز حيال ذلك ويستسلموا لهذه المعادلة وبالتالي تحمّل كل الأزمات التي تنتج عنها، والتي لا ناقة ولا جمل لهم بها سوى أنّ سياسات ومصالح دول المنطقة والإقليم، والسياسات الدولية أخذت لبنان رهينة بسببها، أو أنّ عليهم أن ينتفضوا على هذا الواقع وعلى هذه المعادلة لصالح إنتاج معادلة جديدة ترفض أن يكون لبنان منصّة بأيدي أي طرف من الأطراف، أو رهينة عند أيّ جهة أو ساحة لتصفية حسابات بين أطراف لها حساباتها الإقليمية والدولية، وإلى أن يحين موعد هذه المعادلة الجديد التي ربما لن تأتي، على اللبنانيين أن يدركوا أنّ عليهم انتظار الحلول والتفاهمات التي لا نعلم متى ستأتي أو إذا ما كانت ستأتي أم لا قبل أن تأتي على وطننا المصاب بكلّ تلك الأزمات والويلات.

د. وائل نجم