العدد 1422 / 22-7-2020
د. وائل نجم

يزور وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان لبنان على مدى يومين حاملاً إلى الحكومة اللبنانية والمسؤولين في الدولة مطلباً فرنسياً واضحاً وملحّاً، كما أفادت مصادر فرنسية رسمية، وهو الالتزام بالإصلاحات المطلوبة في مؤتمر باريس 5 من أجل الحصول على التمويل اللازم للخروج من الأزمة التي يعيشها البلد على المستوى المالي والاقتصادي. وتؤكد المصادر أنّ التمويل والمساعدات ستكون رهن تلبية شروط صندوق النقد الدولي، وما صدر عن مؤتمر "سيدر" في باريس قبل نحو عامين.

كما أنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أشار في سلسلة أحاديث له حول لبنان خلال الأسابيع الماضية أنّ خروج لبنان من الأزمة التي يعانيها يكون فقط عبر استجابة الحكومة لمطالب صندوق النقد، وإجراء إصلاحات حقيقية وجدّية في الإدارة والقوانين وسواها. وفي السياق ذاته جاءت تصريحات مماثلة لمساعد وزير الخارجية الأمريكية، ديفد شنكر، والسفيرة الأمريكية في بيروت.

وفي مقابل ذلك فشلت، حتى الآن، الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي على خلفية التباين في تقدير الخسائر المالية بين وفد الحكومة، حيث أنّ لفريق المصرف المركزي وجمعية المصارف تقديرا يختلف عن تقدير وزارة المالية. وصندوق النقد يطلب من الوفد الحكومي توحيد الأرقام أولاً، والاستجابة للإصلاحات التي وردت في مؤتمر "سيدر" ثانياً، ووقف ومكافحة الفساد والهدر ثالثاً. وهذا أقلّه على مستوى الشروط أو المطالب المعلنة من الصندوق. أمّا المطالب أو الشروط غير المعنلة فهناك حديث كبير عنها يبدأ من مسألة الحديث عن إخضاع المؤسسات اللبنانية السيادية لقرار الصندوق والفاعلين فيه أو المهيمنين عليه، ولا تنتهي في مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية مع كيان الاحتلال الاسرائيلي، ولا في مسألة الغاز والنفط في البحر المتوسط، فضلاً عمّا يعتبره البعض محاصرة وإضعاف قوة لبنان المتمثّلة بـ "المقاومة".

والحقيقة أنّ لبنان يقف اليوم على حافة مصير مجهول لا يعرف أحدّ كيف يكون، ولا إلى أين يمكن أن يفضي. فالبعض يعتبر شروط صندوق النقد الدولي ومؤتمر "سيدر" إصلاحات يجب أن تقوم بها الحكومة للحصول على ثقة المجتمع الدولي والدول الداعمة أولاً قبل الحصول على مساعداتها. وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، لأن حجم الفساد المستشري في إدارات الدولة، والذي يتهم به معظم الذين يعملون بالحقل السياسي كبير وكبير جدّاً إلى حدود أنّ الأطراف الداخلية تطالب علناً بمكافحة الفساد وإجراء محاسبة عن الفترة السابقة، ووضع حدّ للهدر والتهرّب الضريبي والسرقة والسمسرة وما سوى ذلك، غير أنّ هذه الأطراف ذاتها ترفض فعلياً وعملياً أيّة محاولة جدّية للشروع في معالجة الأزمة ووضع حدّ للفساد أو استعادة ما نُهب من أموال، ولنا أمثلة كثيرة على ذلك في قطاع الكهرباء والمصارف والمحاسبة العامة وما سوى، ولعلّ آخر فصول هذه الأمثلة ما طرح مؤخراً في مجلس الوزراء من إجراء تحقيق محاسبي وجنائي في ملف الأموال حيث بدأت العرقلة لهذه الخطوة من أكثر من مكان وطرف. وكذلك الأمر بالنسبة للكهرباء وغيرها. وبالطبع هذه المواقف والتصرفات تعيق بشكل واضح أية عملية إصلاح حقيقي للإدارة أو لوضع حدّ للفساد، وبالتالي تشكّل عقبة أمام أي خروج حقيقي من الأزمة.

وفي مقابل ذلك هناك من يعتبر أن شروط صندوق النقد هي عملية إخضاع للبنان، وتعدّ على سيادته، ومحاولة مكشوفة لتعطيل مفاعيل القوة التي يتمتّع بها، وبالتالي فهي ليست مطالب إصلاحية حقيقية تريد إخراج لبنان من دوّامة الأزمة، ولذلك لا يمكن الركون إليها ولا الاطمئنان لها.

أمام هذا المشهد الآخذ بالشدّ والجذب بين الأطرف يبدو أنّ الأزمة آخذة بالتصاعد وبما ينذر بما هو أسوأ أو بما يمكن أن يخرج البلد عن قطار الاستقرار والهدوء والسلام.