العدد 1534 /26-10-2022
د. وائل نجم

بضعة أيام وتنتهي ولاية الرئيس ميشال عون التي دامت ستة أعوام انقلبت فيها الأوضاع في لبنان رأساً على عقب.

قبل ستة أعوام، وفي بداية الولاية كان الوضع في لبنان ما يزال مقبولاً. كانت قدرة اللبنانيين على التحمّل ما تزال قائمة وصامدة. كانت القدرة الشرائية للمواطن تسمح له بالاستمرار والصمود والبقاء. كانت الكهرباء ما تزال تنير أغلب بيوت اللبنانيين ولو لساعات قليلة لا تتجاوز 8 إلى 10 ساعات يومياً، أمّا اليوم فالمحظوظ من اللبنانيين من يرى كهرباء الدولة في منزله ساعة واحدة كل أربعة إلى خمسة أيام أو قل إلى أسابيع أحياناً.

قبل ستة أعوام كان راتب اللبناني يفيض عنه ويدخر منه جزءاً لأيام ٍ سوداء قد تقبل عليه، وهي بالفعل قد أقبلت حتى أحرقت الأخضر واليابس وأجهزت على ما ادخره اللبناني في بيته أو في مصرف من المصارف التي تستعصي على دفع مستحقات وودائع اللبنانيين. كان اللبناني يصرف على نفسه ويعيش بشكل مريح لم يعرف له قيمة إلاً عندما أتت السنوات العجاف قبل ستة أعوام.

قبل ستة أعوام كانت مؤسسات الدولة ما تزال واقفة على "رجليها" وتقدّم ما تيسّر من خدمات للمواطنين في المجال الصحّي والاجتماعي والرعائي وغيره، أمّا اليوم فيموت المرضى أمام المستشفيات والفقراء على الطرقات من دون أن يجدوا من يعيلهم أو يعينهم على نوائب الدهر.

قبل ستة أعوام كانت مدارسنا بخير، وجامعاتنا بخير، أمّا اليوم فقد هجر المعلمون والأساتذة والأطباء والمهندسون والمحامون والصيادلة والمثقفون البلد وتركوه لتلك الزمرة التي لا تعرف للحياة الكريمة معنىً ولا تعرف لبناء الأوطان والدول طريقاً وسبيلاً.

قبل ستة أعوام كانت حياة اللبنانيين مقبولة ولو بالحدّ الأدنى، حتى جاءت السنوات العجاف التي حوّلت البلد إلى "جهنّم" و "جحيم" حقيقي يموت فيه الناس قبل أن يجدوا قوت يومهم حتى بات الفقراء في لبنان يشكّلون ما نسبته 80% من المواطنين، وبات العاطلون عن العمل يشكلّون أكثر من 40%

بضعة أيام وسيكسر أغلب اللبنانيين الجرار (جرار الفخار) خلف تلك الأيام والأعوام العجاف التي لم تأتِ هي وأصحابها وسياساتها على اللبنانيين إلاّ بالويل. لن يندم أغلب اللبنانيين على رحيل تلك الأيام وانتهائها، عسى أن تنتهي معها تلك المأساة التي قلبت حياتهم ونعيمهم إلى جحيم. ربما البعض سيحتفل على اعتبار أن اليوم الذي سيلي تلك الأيام العجاف سيكون أفضل، وبعضهم سيخجل من الاحتفال لأنّ الوطن لم يبقَ منه إلاّ الأطلال بسبب تلك السياسات التي لم تعرف يوماً سوى الكيل بمكيالين ومنطق المحاصصة والكيدية وخطاب استعادة الحقوق ولو على حساب دمار الوطن.

سينتهي ذاك الكابوس الذي سمّوه يوماً زوراً العهد القوي، أمّا أولئك الذين وقفوا وكانوا جزءاً من المسؤولية عن هذه المأساة فعسى أن يتعلّموا من الدرس ويستفيدوا من التجربة لعلّ ذلك يسهم في التفكير الجدّي الحقيقي في الطريقة التي بها يمكن خلاص لبنان.

د. وائل نجم