العدد 1370 / 17-7-2019
الدكتور وائل نجم

كانت لافتة جداً الزيارة الجامعة التي قام بها رؤساء الحكومة السابقون : فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، إلى المملكة العربية السعودية. وقدسبق الزيارة لقاء للرؤساء جمعهم في بيت الوسط مع رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، ولم يصدر عن اللقاء في بيت الوسط أي تصريح يشرح بالتفصيل أسباب وخلفيات الزيارة، ولا حتى اللقاء مع الحريري . فيما اكتفى الرؤساء بعد زيارتهم إلى جدة ولقاء المسؤولين السعوديين وفي مقدمهم العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بالإشارة إلى أن الزيارة كانت وطنية، وحملت الهموم الوطنية العامة إلى المملكة، وبحثت الشأن الوطني العام، وأن القيادة السعودية أكدت لهم أنها لم ولن تترك لبنان، وأنها ستعيد تفعيل اهتمامها بالساحة اللبنانية، وأن الملك سلمان وعد أن يكون في لبنان قريباً.

والحقيقة أن هذه الزيارة تحمل العديد من التفسيرات والتكهنات لناحية الطريقة والتوقيت والأهداف.

فأن يقوم ثلاثة رؤساء حكومة سابقين بزيارة واحدة مع بعضهم البعض إلى السعودية ولقاء عاهلها سلمان بن عبد العزيز، فهذا يعني أن المسألة فيها من استشعار الخطر والخطورة على وضع البلد الكثير. وقد بات من الواضح أن القيادة السعودية في الفترة الأخيرة لم تعد تهتّم بشكل كافٍ بالشأن اللبناني، فتركت اللبنانيين، أو بالأحرى حلفاءها في لبنان، إلى مصيرهم، في وقت يتمتّع منافسو السعودية، وخصومها في الإقليم والداخل اللبناني بغطاء ودعم خوّلهم التأثير بشكل كبير في سياسة البلد الداخلية والخارجية بما أشعر الأطراف الأخرى المشاركة بالقلق من إحداث نوع من عدم التوازن في الداخل اللبناني قد يقود إلى انزلاق الأمور إلى مربع مجهول لا يعرف أحد كيفية الخروج منه، ولا الكلفة له، وبالتالي فإن هذه الخطورة التي تهدد لبنان ، وتهدد الأطراف والحلفاء فيه، لا سيما المكوّن المسلم السنّي الذي لطالما اعتُبر حليفاً طبيعياً للرياض، جعلت الرؤساء السابقين يتحركون على خط شرح خطورة المرحلة للقيادة السعودية العليا وبشكل مباشر، وقبل أن ينهار الهيكل ويصبح من الصعوبة بمكان ترميمه أو إصلاحه أو إعادة بنائه كما كان.

كما وأن البعض في لبنان من المتابعين يعتبر أن زيارة الرؤساء الثلاثة إلى السعودية ، ولقاءهم مع الرئيس الحريري قبل ذلك، تدخل في إطار وساطة يقوم بها هؤلاء لإعادة تطبيع العلاقة بين الحريري والقيادة السعودية في هذه المرحلة التي تشهد نوعاً من الفتور بين الطرفين، خاصة بعد احتجاز الحريري في الرياض قبل قرابة العامين، وقدترك ذلك ندوباً كبيرة في العلاقة بينهما، انعكست على الأرض من خلال تخلّي السعودية شبه المعلن عن الحريري، الذي دفعه في أكثر من مناسبة إلى التنازل عن بعض الحقوق والمكتسبات المتصلة بموقع رئاسة الحكومة في البلد، وتالياً بدور المسلمين السنّة فيه، وهو ما أقلق كل الشارع السنّي، بما في ذلك المناهضين لسياسة الرئيس الحريري، ولذلك كان لا بدّ من تحرّك يوقف مسلسل التنازل أو التراجع من خلال تأمين الدعم والغطاء السياسي والمالي أمام قدرة وإمكانية وطموح الأطراف الأخرى المشاركة في البلد، ومن هنا جاءت الزيارة التي قام بها الرؤساء الثلاثة إلى السعودية على اعتبار أنها ما تزال تشكّل العمق الذي يتسند إليه المسلمون في البلد.

ولكن في المحصلة تكشف لنا هذه الزيارة عمق الأزمة التي يعيشها المسلمون السنّة في لبنان، وحتى على مستوى المنطقة، كما يكشف عقم السياسة السعودية في التعامل مع الأحداث والتطورات، والتي كشفت كل حلفائهم في المنطقة، وحوّلتهم إلى أهداف سهلة في مرمى كل من يريد النيل منهم، يعمل لإفقادهم دورهم التاريخي لصالح أدوار أخرى تفقد المنطقة ولبنان ميزته التي تمتّع بها على الدوام.

د. وائل نجم