العدد 1354 / 20-3-2019
الدكتور وائل نجم

يصل إلى لبنان يوم الجمعة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في زيارة ضمن جولته التي بدأها من الكويت على المنطقة، لبحث ملفات التي تتصل بأوضاع المنطقة واللاجئين والحضور الإيراني وسلاح حزب الله، والحدود البحرية بين لبنان وكيان الإحتلال الإسرائيلي، وغيرها من العناوين التي تعني الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة.

وكان قد سبق زيارة بومبيو قبل أيام زيارة قام بها مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد ساترفيلد إلى لبنان , والتقى خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانين الرسمين بينهم رئيسي الجمهورية والحكومة، والحزبيين في قوى 14 آذار، وحمل معه خلال الزيارة رسائل شديدة اللهجة إلى الجانب اللبناني بضرورة التزام سياسة النأي بالنفس، والضغط من أجل وضع حلّ لمسألة الحدود البحرية بين لبنان وكيان الإحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن موضوع الحضور والدور والفعالية الإيرانية في المنطقة ومن لبنان وسورية.

كما سبق زيارة ساترفيلد زيارة قام بها وكيل وزراة الخارجية الأمريكية، ديفيد هيل إلى لبنان والتقى خلالها أيضاً عدداً من المسؤولين اللبنانيين الرسمين وغير الرسميين، وحمل أيضاً فيها رسائل إلى لبنان بضرورة الضغط على حزب الله، وأشار حينها إلى أن مسألة تشكيل حكومة شأن لبناني، ولكنه يعني المجتمع الدولي، مشيراً إلى مسألة تواجد وحضور حزب الله في الحكومة وفي بعض الوزارات الحساسة.

فما هي أبعاد وأهداف زيارة وزير الخارجية الأمريكي في هذا الوقت إلى لبنان، وإن كانت من ضمن جولة على المنطقة بشكل عام؟

من الواضح أن الضغط الأمريكي يتصاعد في أكثر من اتجاه في هذه المرحلة بهدف تنفيذ المخططات الأمريكية للمنطقة، وفي مقدمها حماية أمن كيان الإحتلال بشكل رئيسي , لأنه يعتبر أساس المشروع الأمريكي في المنطقة، وذلك من خلال ما يُعرف بـ "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية. وكذلك ضمان السيطرة على منابع النفط، وطرق التجارة البحرية، لا سيّما الممرات المائية. وفي هذا السياق يأتي الحديث عن الضغوط التي تمارس كجزء من التحضير للمرحلة المقبلة، لا سيما على القوى التي ما تزال إلى الآن تقف حجر عثرة أمام المخططات الأمريكية، ويأتي في طليعة تلك القوى، تركيا بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، ونرى كيف أن الدبلوماسية الأمريكية، على الرغم من حاجتها للدولة التركية في المنطقة، لدورها في وضع حد للتمدد الروسي تاريخياً، فإن هذه الدبلوماسية تمارس ضغطاً متزايداً على الدولة التركية، سواء داخل تركيا من خلال مسارات عديدة منها الاقتصادي ومنها الأمني ومنها السياسي؛ أو خارج تركيا كما في مسألة الحدود مع سورية، ومسألة الأحزاب المصنّفة "إرهابية" على قائمة الإرهاب التركية في شمال سورية. وقدلاحظنا كيف أن أميركا مارست نوعاً من الابتزاز للدولة التركية في مسألة الانسحاب من شمال سورية، أو في مسألة تسليم طائرات أف 35.

إلى الدولة التركية , هناك الاستهداف الأمريكي للجمهورية الإيرانية، ولأذرعها في المنطقة، وقد لاحظنا أن الرئيس الأمريكي اتخذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض المزيد من العقوبات عليها، بل وعلى الشركات التي يمكن أن تتعامل معها، وصولاً إلى التلويح والتهديد بمنعها من تصدير النفط على الرغم من الحاجة إليه للحفاظ على تدّني الأسعار في سوق النفط العالمي. كما رأينا كيف تصاعد الضغط الأمريكي على إيران في العراق بأشكال مختلفة، وكذلك في سورية من خلال الشريك الروسي والعامل الإسرائيلي، واليوم يأتي الدور لزيادة هذا الضغط من خلال حصار حزب الله كأبرز وأهم ذراع لإيران في المنطقة.

إن زيارة بومبيو إلى بيروت ضمن هذه الجولة تأتي اليوم لزيادة حجم الضغط على لبنان من أجل اتخاذ موقف يزيد في حصار حزب الله وفي عزلته ومحاولة خنقه، كما تأتي كجزء من ترتيب المرحلة المقبلة والتمهيد فيها للتخلص من المخالب التي تملكها إيران، والمتمثلة بشكل أساسي بصواريخ حزب الله التي قال قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، إنها تغطي كل أجواء فلسطين المحتلة، وبالطبع هذا الضغط الأمريكي، وهذا الكلام الإيراني يكشفان أن المواجهة بين الطرفين، قد تكون قريبة إذا لم تصل البدلوماسية الخشنة بينهما إلى اتفاق في حدود معيّنة يحفظ المصالح للطرفين، ويؤجّل المواجهة إلى وقت آخر. إلا أن القراءة الإسرائيلية للمعطيات الحالية واستقراء المستقبل تشير إلى أن أفضل فرصة لكيان الإحتلال للتخلص من هواجس الصواريخ، سواء في غزة أو في لبنان، هي في ظل وجود الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض، وأن أية فرصة في حال خروج ترمب من المكتب البيضاوي قد تكون أقل من المتوقع، ومن هنا يذهب البعض إلى القول إن زيارة بومبيو إلى لبنان والمنطقة تأتي في سياق تحضير المسرح للمواجهة القادمة. ولكن السؤال : هل يتحمّل لبنان كلفة هذه المواجهة أو كلفة أي موقف يجعله في محور من المحاور المتواجهة؟

هذا أمر ليس سهلاً، فكل من الأطراف المتواجهة يملك من أوراق القوة والضغط الكثير , في حين يطغى الانقسام على الموقف السياسي اللبناني، وهذا بحد ذاته قد يكون فرصة للهروب من ضغط الأطراف المتواجهة.

 

د. وائل نجم