تمثل الحرب على الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق ذروة جديدة من ذرى حرب الإبادة التي تنشط بها روسيا وإيران ومنظماتها الطائفية، العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية، إضافة إلى النظام. وتدل خبرة هذه الحرب على أن هذه الأطراف تعتبر المدنيين المحاصرين أو النازحين، والمرافق المدنية على تواضعها، وبالذات المراكز الطبية أو ما تبقى منها، أهدافاً عسكرية سهلة المنال، ويؤدي إلحاق الضرر البليغ بها إلى نتائج واضحة في الحرب. ولهذا، طغت أخبار استهداف الأحياء السكنية والخدمية والتجارية بالصواريخ والبراميل الحارقة وقذائف المدفعية الثقيلة، وصور القتلى والمصابين تحت الأنقاض، ومشاهد النساء والأطفال المذعورين الذين لا يجدون ملاذاً، أو فرصة للنجاة. 
وسبق رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف، أن صرح بأن سيناريو حلب قابل للتكرار في الغوطة الشرقية، وكانت روسيا قد استخدمت أسلحة متطورة مخصصة لاستهداف التحصينات في قصف المدنيين المحاصرين في حلب الغربية، وأدى ذلك القصف إلى قتل وجرح مئات من المدنيين، وتشريد نحو 36 ألفاً تمت مطاردة كثيرين منهم بالطائرات، لإغلاق سبل النجاة أمامهم. وقد تزامن إسقاط حلب في أواسط كانون الأول 2016 مع انسحاب قواتٍ روسيةٍ من مدينة تدمر وسيطرة «داعش» على هذه المدينة الأثرية، في رسالةٍ فُهم منها أن المعركة لم تكن ولن تكون مع «داعش»، بل مع المدنيين السوريين الذين قد يشكلون حاضنةً شعبيةً للمعارضة الوطنية. وإثر انتهاء معركة حلب، وخروج المقاتلين منها، بعد إلحاق أكبر دمارٍ بها، تباهى مسؤولون روس بأن الأسلحة التي تم استخدامها ضد الأحياء السكنية قد لفتت الأنظار، واجتذبت عروضاً جديدة لشراء السلاح الروسي، حيث تعتبر صناعة الأسلحة وتجارتها عصباً للاقتصاد الروسي، وبدون منتجاتٍ مدنية تذكر، سوى في بعض القطاعات الطبية الموروثة عن العهد السوفياتي. 
تضم الغوطة نحو ثماني مدن، أهمها دوما وزملكا، وقد تراجع عدد سكانها من نحو مليوني  نسمة إلى أربعمائة ألف، نتيجة تعرّض المنطقة للحصار الخانق، عقاباً لهم على وقوفهم مع الثورة.  وتجد روسيا أن من مصلحتها القضاء على الثورة، وعلى كل حل سياسي، مهما كان الثمن، ومهما لحق بسورية وبالسوريين من دمار وكوارث، ويشارك سلاحها الجوي بكثافةٍ في تدمير المدن والبلدات والأرياف. وترى موسكو أن وقف إطلاق النار أمر غير واقعي. وترتضي أحياناً بهدنة لساعات فقط. وبدلاً من اعتماد وقف إطلاق النار، ابتدعت موسكو ما سمي «خفض التصعيد»، وهو أسلوب استخدمته هي وحلفاؤها لمضاعفة التصعيد. والغوطة الشرقية، شأن إدلب، مشمولةٌ بخفض التصعيد المبتدع روسياً، الذي دأبت موسكو على نقضه، متمتعةً بامتياز استهداف المراكز الطبية والعلاجية وإخراجها من الخدمة، جنباً إلى جنب مع استهداف مراكز الدفاع المدني، وهو سلوكٌ أقل ما يقال فيه أنه يندرج ضمن جرائم الحرب. 
لا تستوقف النتائج الكارثية المروّعة الدبلوماسية الروسية التي تنبهت لأهمية استخدام سلاح النفي، فخرج ناطقٌ باسم الرئاسة للقول إنها اتهاماتٌ بلا أساس، فيما يعرف كل طفل في سورية أن الطيران الذي يحلق فوق مناطق المعارضة هو طيران روسي، مع مشاركة جزئية لطيران النظام. وفي مجلس الأمن المندوب الروسي خرج (كما هي عقيدة إدارة بلاده بالمدنيين)  وبحرمة الحياة البشرية، خرج «يتهم» المعارضة بأنها رفضت الاستسلام. وفي واقع الأمر، يريد الروس للسوريين كلهم أن يستسلموا لهم، من أجل ضمان المصالح الروسية الطويلة الأمد في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى أن تغدو سورية بدون سوريين، فالمهم أن يتم بأي ثمن بناء المجد الروسي خارج الحدود، وأن تتم منافسة أميركا والغرب، حتى لو أدى ذلك إلى إبادة شعوب.
وقد جرى في هذه الأثناء مشاغلة تركيا بمدينة عفرين التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، تماماً كما حدث في انشغال تركيا بالمعركة ضد مدينة الباب قبيل سقوط حلب، تحت أنظار القوات التركية. وعلى هذا النحو، تم الفصل بين عفرين وما عداها، بحيث يكون الشاغل الوحيد لأنقرة في سورية هو الحزب الكردي المسلح هنا وهناك. أما أميركا ترامب، فإنها لا ترى في الغوطة -كما في إدلب- سوى معارك تستنزف خصومها، حتى لو سقط آلاف القتلى من المدنيين، وحتى لو أدى ذلك إلى تقوية النفوذ الإيراني لاحقاً في سورية، فلكل مشروع وقته! 
وجاءت معركة روسيا ضد الغوطة وأهلها متزامنة ومتساوقة مع الحملة الروسية على ريف  إدلب، حيث تتفنن القوات الروسية في الإيقاع بالنازحين البؤساء، وكل تجمع سكني وتجاري، وذلك كله باسم مكافحة جبهة النصرة، فتحت هذه الراية تندفع القوات الروسية إلى قتل كل مظاهر الحياة والعمران. 
 لنا أن نستذكر هنا أن الغوطة سبق أن شهدت في آب 2013 مذبحة الكيماوي التي قضى فيها 1300 مدني خلال ساعة. ومنذ ذلك التاريخ، توطدت علاقة موسكو بدمشق، وسخرت من كل التقارير الدولية التي تدين النظام باستخدام أسلحة محرمة ضدّ شعبه، ومنها الاستخدام اللاحق لهذه الأسلحة في خان شيخون في ريف إدلب، في مطلع نيسان 2017 الذي أودى بنحو مائة مدني، جلهم من الأطفال، وقد قادت «الحنكة» الروسية بعدئذٍ، إلى جعل خان شيخون المنكوبة هدفاً مفضلاً لهجمات القوات الروسية! 
جرى الحديث هنا عن روسيا التي لا تكتفي بالحرب المريعة ضد المدنيين، لكنها تنشط سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً في قيادة هذه المعركة، خلافاً لإيران ومليشياتها التي تكتفي بحربٍ «مقدسة» ضد «أحفاد يزيد»، وهم أكثرية الشعب السوري، وتنشغل بوضع الخرائط والمشاريع، للسيطرة على كل ما يمكن السيطرة عليه من الثروات الطبيعية في سورية، لتعويض خسائرها المالية في شنّ الحرب على السوريين.}