قبيل بضعة أيام، وفي الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، تقدّم نصر الله باقتراحات تتصل بمستجدات الوضع الميداني في سوريا، والمرحلة التي بلغها الوضع السياسي في لبنان. وقد اعترف نصر الله بصعوبة، بل باستحالة الحسم العسكري في سوريا لأيّ من الطرفين المتقاتلين، وهو اعتراف في مكان ما بالهزيمة بالنظر إلى الوعود المتكررة التي كانت تقتطع بالنصر وإلحاق الهزيمة بالمشروع «التكفيري»، وليس هذا مهماً، بل المهم أن يأتي هذا الإقرار -ولو متأخراً- لعلّه يحجب شيئاً من الدماء التي تنزف على أرض سوريا. وقد دعا نصرالله لأول مرة تنظيمي «الدولة» و«فتح الشام» إلى إلقاء السلاح، والدخول في تسويات أو مصالحات أو أي شيء من هذا القبيل يوقف القتال ويضع حداً له، باعتباره لا يخدم سوى المشروع الأمريكي، وهذا بالطبع دعوة جيّدة، ولكن تنقصها الترجمة الفعلية والعملية التي تولّد عند الطرف الآخر انطباعاً بالجدّية في هذا الموضوع، وعندها يمكن أن تسلك طريقها لوقف استغلال الغرب لما يجري في سوريا فعلاً. 
هذا في ما يتصل بسوريا، أما في ما يتصل بلبنان، فقد اقترح نصر الله أن يصار إلى اعتماد سلّة واحدة ومتكاملة للحلّ، تبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية، وهو بالطبع ضمناً عند نصرالله العماد ميشال عون، ملمّحاً إلى القبول بوجود الرئيس سعد الحريري في سدّة الرئاسة الثالثة، وبالطبع الرئيس نبيه بري في سدة الرئاسة الثانية. لقد كان نصرالله وحزبه يضعان فيتو على وصول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى سدة رئاسة الحكومة، علماً أنه رئيس أكبر كتلة نيابية. وتناسى أن الدستور اللبناني شرح كيفية اختيار رئيس الحكومة من خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية، دون أن يكون ذلك مرتبطاً بسلة حل كاملة أو بدونها. وبالطبع فإن الاقتراح بشكل عام يوحي بالانفتاح على الحل، وتسهيل مهمة المتحاورين والقوى السياسية من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن في الجوهر، هو عملية انقلاب واضحة على القواعد الدستورية الناظمة للحياة السياسية في لبنان، وبالتالي هو تكريس لأعراف جديدة تطيح النظام السياسي الحالي لمصلحة نظام يقوم على الأعراف ابتداءً، ومن ثم يصار إلى تكريس هذه الأعراف من خلال النصوص. 
لقد تزامنت هذه الرسائل التي تحمل معاني الانفتاح والحرص على التسويات والمصالحات الداخلية والخارجية مع رسائل من نوع آخر، مع رسائل تحذير أو تهديد مبطن جاءت بأكثر من وجه وأسلوب. 
فقد نشرت بعض الصحف المحسوبة على فريق 8 آذار مجموعة تقارير تحدثت عن «سرايا المقاومة» وأنها بلغت قرابة خمسين ألف عنصر من مختلف المناطق، ومن مختلف المكوّنات اللبنانية، وأنها جاهزة للتصدّي لأي نوع من التهديد الداخلي الذي قد يشكل خطراً، ولو محدوداً على «المقاومة». بمعنى آخر، أكدت «السرايا» جهوزيتها لإعمال سلاحها في الداخل اللبناني، وهي بالطبع وكما هو معروف، لا تملك إدارة ذاتية مستقلة، بل هي جزء من القرار السياسي الذي يخضع لقيادة حزب الله، وبالتالي فإنها شكّلت أولى الرسائل التي جاءت وواكبت خطاب الانفتاح والتسوية.
ثم رأينا كيف أنه بين ليلة وضحاها جرى تضخيم مجموعة أخرى تشبه في الشكل وفي المضمون «سرايا المقاومة»، فبرز ما أطلق عليه «حماة الديار»، وهي منظمة ألصقت نفسها بطريقة من الطرق بالجيش اللبناني، وراحت ترفع شعار محاربة الإرهاب، كأنّ الجيش قد قصّر في معركته ضد «الارهاب» أو حتى في مواجهة العدوّ الاسرائيلي، ونشرت مجموعة من الفيديوهات التي تؤكد التصاقها بالجيش، واتخاذه غطاءً لتحركها الذي يأخذ طابعاً عسكرياً كما هو واضح من منشوراتها وتصريحها. وهذه المنظمة – وكما وصفها البعض-  هي الوجه الآخر لـ«سرايا المقاومة» التي فشلت في الدخول إلى بعض المناطق والمكوّنات، فتم اللجوء إلى هذه الفكرة. وإطلاق هذه المنظمة في هذا التوقيت، وبهذه العناوين التي حملتها، يحمل أيضاً رسائل في أكثر من اتجاه.
الرسالة الثالثة في سياق الرسائل المتزامنة مع دعوات الانفتاح والتسويات هي رسالة شبه أمنية، إذ لاحظنا أنه خلال الأيام الماضية جرى بشكل سلس إقدام عدد كبير من المطلوبين في مخيم عين الحلوة على تسليم أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وسبق ذلك حملة إعلامية لشيطنة المخيم واتهام المجموعات الموجودة فيه بالعمل على التوسع والسيطرة على طريق الجنوب وحتى مدينة صيدا، وما سوى ذلك من سيناريوهات خيالية. وقد كان ذلك جزءاً من محاولات الضغط على المخيم وتهديده بحرب مفتوحة قد تحوّله إلى «نهر بارد جديد»، ولذلك رأينا أن فعاليات المخيّم، والفصائل الموجودة فيه على اختلافها وتنوّعها، رأت أن من مصلحة اللاجئين تحييد المخيم، وتجنيبه مأساة جديدة، ولذلك هي قامت بدورها بالضغط على المطلوبين من أجل تسليم أنفسهم، وهذا بالطبع حرصاً على المخيم وسلامته، وحرصاً على القضية الفلسطينية. ولكن في النهاية هي إدراك لرسالة أمنية شبه مباشرة وصلت إلى المعنيين فتعاملوا معها بما يقضيه الواجب.
الرسالة الأمنية الأخرى كانت في عرسال، من خلال العبوات التي انفجرت في الأيام الماضية والتي استهدفت الجيش وفعاليات عرسالية، وجاءت في سياق التحذير والتهديد في آن واحد.
إذاً هي سياسة العصا والجزرة إذا صحّ التعبير. انفتاح وحوار وتسوية وصلح في مكان، ورسائل تهديد وتحذير من ناحية أخرى، فإما أن تخضعوا بالحوار، وإما أن تخضعوا بغيره، دون إدراك أن هذه السياسة هي نوع من المقامرة بالبلد ومصيره ومستقبله.