العدد 1439 / 2-12-2020

د. وائل نجم

مرّ على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة قرابة شهر ونصف ومن دون أن تلوح في الأفق أية بادرة أمل لتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والنزاهة والاختصاص، كل ما في الأمر أن منطق المحاصصة ومحاولة الاستئثار عاد من جديد يتحكّم بالمشهد الحكومي وبمسار التشكيل.

خلال الأيام الماضي تمّ تداول معلومات عن قيام الرئيس المكلف سعد الحريري نيّته القيام بزيارة إلى قصر بعبدا وتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية تعكس قناعة الرئيس الحريري كرئيس مكلّف، وتكون حكومة مهمّة لإنقاذ البلد، غير أنّ هذه الزيارة لم تتم حتى لحظة كتابة هذه السطور، وقدتردّدت أنباء أن رئيس الجمهورية يرفض توقيع أيّة تشكيلة حكومية لا يكون مشاركاً في إعدادها وشريكاً في نقاش أدق تفاصيلها في وقت يعاني البلد ما يعانيه من أزمات معيشية واقتصادية وحياتية واجتماعية وسياسية وغيرها، مغلّباً بذلك منطق التحكّم لا منطق الحَكَم، وغير آبه بما يعانيه اللبنانيون من ويلات جراء تلك الأزمات، حتى أن البعض يقول إنّ الرئيس بات أسير أهواء صهره في الملف الحكومي، وأنّ الصهر حوّل الموضوع إلى نزاع شخصي بينه وبين الرئيس المكلّف على قاعدة إمّا أن نكون معاً في الحكومة وإمّا أن نكون معاً خارجها؛ بمعنى آخر إنّه منطق تعطيل الحلول وصنع الأزمات في أحرج الأوقات دونما اعتبار لوضع البلد ومشاكله.

وبغض النظر إذا ما كانت العقد الحكومية الحقيقية كامنة في هذه العناوين التي يجري الحديث عنها، أو في غيرها، فإنّ من عقد خارجية لها تأثيرها على الشأن الداخلي اللبناني؛ وبغض النظر عن النوايا التي يبيّتها كل طرف للطرف الآخر ومحاولات الاستئثار التي تراود أهان البعض، فإنّ البلد يعاني كمّاً هائلاً من الأزمات التي تنذر بانهيار الهيكل على رؤوس الجميع، ولذلك فإنّ المطلوب اليوم قبل الغد مبادرة جريئة وشجاعة ولا تنظر إلى أيّ اعتبار غير المصلحة الوطنية وليكن بعد ذلك ما يكون فليس هناك أسوأ من الحالة التي نعيشها أو من تلك التي يمكن أن نصل إليها خلال شهور إن لم نقل خلال أسابيع.

لكل ذلك أقول : دولة الرئيس المكلف سعد الحريري ..إفعلها ولا تتردّد. قدّم تشكيلتك الحكومية التي تعكس قناعتك من ناحية، وتأخذ بالاعتبار مصلحة البلد العليا، وتكون حكومة من أصحاب الاختصاص والكفاءة ومن المشهود لهم بالنزاهة، حتى ولو كان بعضهم من الحزبيين. وليتحمّل كل مسؤول وكل فريق وكل طرف مسؤوليته أمام الله والوطن والتاريخ.

دولة الرئيس هذه صلاحيتك التي أقرّها الدستور فلا تدع أحداً يشاركك هذه الحق تحت أي عنوان من العناوين وأي تفسير من التفاسير. وإذا كان الدستور قد منح رئيس الجمهورية حق التشاور بالتشكيلة الحكومية، فإنه لم يعطه الحق في وضع فيتو لا على الأسماء ولا على الحقائب. بإمكانه أن يرفض التشكيلة كما هي، أو يقبلها كما هي، وليتحمّل بعد ذلك المجلس النيابي مسؤوليته ويقوم بدوره إمّا بمنحها الثقة وإمّا بحجبها عنها، وعنده لكل حادق حديث. أمّا أن تظل الأمور تراوح مكانها والأزمات تبكر ككرةى الثلج فهذا ليس مقبولاً، وليس مقبولاً أيضاً أن تكون المسؤولية ملقاة على عاتق شخصية واحدة أو طرف واحد في حين أنّ الكل شركاء بهذه المسؤولية.

لكل ذلك، ومن أجل مستقبل هذا البلد، ومن أجل تحديد المسؤوليات وكشف النوايا، ومن أجل معرفة المعطّلين أمام الرأي العام اللبناني إفعلها اليوم قبل الغد وقدّم تشكيلتك الحومية، وإلاّ فإنّك نعم تكون المعرقل للحلّ بنظر اللبنانيين.