العدد 1389 / 4-12-2019

د. وائل نجم

لا يُعقل أن يكون قد مرّ على استقالة حكومة العهد الأولى قرابة شهر ونصف وفي ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقّدة التي يعيشها البلد، ومع ذلك لا يدعو رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي أوجبها الدستور وذلك لتسمية شخصية تُكلّف تشكيل الحكومة، بل على العكس من ذلك تجري المشاورات مع القوى السياسية ومع من يعنيه الأمر ومع من لا يعنيه وخارج إطار الدستور في بلد أساساً يقوم نظامه السياسي، أحبينا ذاك أم كرهناه، على مبدأ تقاسم السلطة بين المكوّنات الطائفية والمذهبية. وحتى الرئيس ما كان له أن يصل إلى سدة الرئاسة إلا بموجب هذا النظام، وإلا بموجب توزّع السلطة وفقاً لتلك الآلية التي ذكرناها، وقد وجّه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، نقداً لاذعاً لكل ما يجري واعتبر أنه مخالف للدستور، وضرب له.

طبعاً حديثي عن النظام السياسي وتوزّع المواقع فيه وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والمذهبية لا يعني القبول به والدفاع عنه، بل على العكس فإني اعتبر أن ما يعانيه لبنان من فساد وتسيّب وفوضى سياسية واقتصادية واجتماعية يقع على عاتق هذا النظام بشكل أساسي، واعتبر أن المطلوب من الانتفاضة هو الوصول إلى صيغة نظام يكون المواطن وحقوقه، والعدالة ومتفرعاتها الأساس الذي يتم الاحتكام إليه، بمعنى آخر دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، وليس أي شيء آخر. ولكن هذا شيء والواقع الحالي الذي نعيشه شيء آخر.

اليوم نحن أمام أزمة تهدّد ما تبقّى في هذا البلد، والمطلوب هو العمل لانقاذ ما تبقّى على أمل استعادة ما ذهب، وهذا يعني بدرجة أساسية البدء بخطوة أساسية في هذا المسار تبدأ من تشكيل حكومة تكون محل رضا الشعب اللبناني المنتفض منذ أكثر من شهر ونصف، وعدم التسويف والمماطلة في ذلك لانتاج المحاصصة السياسية والطائفية من جديد، والتذرّع بحجج واهية ليس لها أية قيمة سوى التأسيس لإشكالية جديدة في البلد تضاف إلى الإشكاليات القائمة، ومن هنا فإن يأتي القول إن خرق الدستور بالممارسة القائمة من خلال عدم الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية تشكّل الحكومة هو تأسيس لفوضى جديدة في البلد، تضاف إلى الفساد والفوضى القائمة، لأن شريحة ومكوّن أساسي ومؤسّس في الجمهورية سيجد نفسه مسهدفاً بهذه الممارسة، وهذا سيولّد شعوراً بالتعدّي على هذا المكوّن المؤسّس، وبالتالي قد يدفع ذلك إلى صراع من نوع جديد يطيح بما تبقّى ولا يستعيد ما ذهب. أو على أقل تقدير فإن هذه الممارسة ستعيد إنتاج الطائفية والمذهبية التي يرتكز يقوم عليها هذا النظام وتجد فيها الطبقة السياسية ملاذاً لها ومتكأً لممارسة الفساد والمحاصصة بعيداً عن المساءلة والمحاسبة.

آن الأوان للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، وليتحمل كل طرف وموقع في النظام السياسي مسؤوليته حيال الأزمة، لأن الإبطاء والمماطلة والتسويف تحمّل صاحبها مسؤولية ما سيأتي، وهنا يمكن القول إن الشعب اللبناني المتفض في الطرقات والساحات منذ أكثر من شهر ونصف رافعاً شعار تشكيل حكومة "تكنوقراط" يجد نفسه مضطراً لإطلاق ثورة حقيقية لتغيير هذا النظام العاجز، واستبدال تلك الطبقة التي لا تقلّ عجزاً أو تخلّفاً عن مواكبة حركة التغيير عبر العالم.