العدد 1397 / 22-1-2020
د. وائل نجم
وأخيراً تمكّن الرئيس حسّان دياب، والفريق
الذي رشّحه لتشكيل الحكومة من تذليل آخر عقبات تأخير الولادة عبر توزيع الحقائف
على الفريق من خارج الوجوه المعروفة والسياسية، فجرى إعلان الحكومة من عشرين
وزيراً تحت عنوان "حكومة إنقاذ لبنان" ليبقى أمام الحكومة تحدّي نيل ثقة
المجلس النيابي، وهذا أمر سهل حيث من المنتظر أن تمنح الأطرف السياسية التي سمّت
دياب لرئاسة الحكومة، الثقة لحكومته التي تشكّلت بموافقة هذه الأطراف إن لم نقل
بإرادتها. إلا أن أمام حكومة إنقاذ لبنان تحدّيات من نوع آخر فيها تكمن الصعوبة
الحقيقية والتحدّي الحقيقي. فما هي أبرز التحدّيات التي تنتظر حكومة إنقاذ
لبنان"؟
كان واضحاً سرعة تحرّك الشارع اللبناني مع
إعلان الحكومة، فقد اندفع الناس إلى الطرقات والشوارع تعبّر عن رفضها لهذه
الحكومة، لأنها اعتبرتها حكومة
اللون الواحد، والبعيدة كل البعد عن المحاصصة والسياسيين، وقد عمد الناس إلى قطع
الطرق ومحاولة الدخول إلى المجلس النيابي. وهنا يكمن التحدّي الأساسي أمام حكومة
دياب لإقناع الناس المحتجين والمعتصمين منذ ثلاثة أشهر بأنها ليست حكومة السياسيين
المتهمين عند الناس بـ "خراب البصرة" وانهيار البلد. وليست حكومة أي طرف
من الأطراف، بل هي فعلاً حكومة تحاكي تطلعات المعتصمين والمحتجين، وستعمل على حلّ
الأزمة المالية الاقتصادية، وستكافح الفساد، وستضع حدّ للهدر والسرقة والتهرّب
والتهريب، وستعمل على إعادة الأموال المنهوبة، فإذا نجحت حكومة دياب في إقناع
الشارع بذلك تكون قد نجحت في الخطوة الأولى التي يمكن البناء عليها للخطوة الثانية
الأخرى. وهنا يمكن أن تطلب هذه الحكومة من الشارع فرصة لإثبات ذلك، وله أن يقبل أو
يرفض ذلك، ولكن في كل الحالات يجب أن يظلّ حارساً أميناً على الانجازات التي تحققت
والتي يمكن مراكمتها والبناء عليها لإنجاز المزيد في مسيرة استعادة الدولة
وبنائها.
أمّا التحدّي الآخر الماثل أمام حكومة
دياب فهو كسب ثقة المجتمع الدولي والعربي، والذي يتم التعويل عليه من أجل المساعدة
مالياً واقتصادياً للخروج من الأزمة. ومن المعروف أن المجتمع الدولي يرهن مساعدته
للبنان بحكومة تلبي تطلعات الشعب اللبناني، ومن هنا أهمية النجاح في الخطوة الأولى
للفوز بالخطوة الثانية فضلاً عن ذلك فإن حكومة دياب أمام مسؤولية إبعاد لبنان عن
المحاور الاقليمية والصراعات القائمة في المنطقة باستثناء موضوع العداء للكيان الصهيوني
، والنجاح في هذه المسؤولية يُكسب الحكومة الفوز بتحدّي كسب ثقة المجتمعين الدولي
والعربي، وإلاً فإن الفشل في ذلك سيفاقم الأزمة ويضع لبنان في مواجهة كبرى ليس له
قدرة على تحمّل تبعاتها.
أمّا التحدّي الثالث، والذي يمكن أن يكون
الأول في أهميته، فهو تحدّي إقناع الرئيس دياب الأطرف التي سمّته لرئاسة الحكومة،
وشاركته تشكيل الحكومة بضرورة التخلّي عن سياساتها القائمة على المناكفة والكيدية
والمحاصصة وإدخال لبنان في صراعات المحاور، والاكتفاء بدعمه في عملية إنقاذ لبنان
اقتصادياً ومالياً وسياسياً وأمنياً، وهو في الحقيقية التحدّي الأساسي أمام هذه
الحكومة وأمام رئيسها، فمنه يمكن بناء ثقة مع المعتصمين، ومنهما يمكن كسب ثقة
المجتمعين الدولي والعربي، وبالتالي فان كسب هذا التحدّي هو بداية الانتصار في هذه
المعركة من التحدّيات.
ولكن لا يبدو، ومن خلال طريقة تشكيل
الحكومة وتعامل الأطراف السياسية مع آلية التشكيل، أنّ طريق الرئيس دياب وحكومته
سيكون سهلاً وميسّراً، أو أن تلك الأطراف ستساعده في معركة مواجهة التحدّيات، فما
زالت تلك القوى حتى الآن محكومة بمنطق المحاصصة والمصالح الذاتية في مقابل منطق
آخر في مكان آخر محكوم بالإلغاء والمعركة الصفرية، وهذا ما يمكن أن يقوّض كل
الجهود للخروج من الأزمة بقدر ما يمكن أن يشكّل مادة يتكىء عليها الرئيس في القيام
بمهامه التي أعلنها.