العدد 1400 / 12-2-2020

د. وائل نجم

حصلت حكومة الرئيس حسّان دياب على ثقة هزيلة في المجلس النيابي (63 نائباً منحوا الثقة من أصل 84 حضروا الجلسة)، تماماً كالثقة التي أقرّ بها المجلس موازنة العام 2020 قبل أسابيع، وبذلك تحوّلت الحكومة إلى حكومة أصيلة تمارس دورها بشكل عادي وكامل. لكن ذلك جاء على وقت الاحتجاجات في الشارع، وعلى وقع إقفال أغلب الطرقات التي توصل إلى المجلس النيابي من قبل المحتجين، وفي ظل سجال سياسي حول دستورية الجلسة التي قيل إنها بدأت قبل أن يكتمل النصاب في قاعة المجلس.

إلاً أنّ التحدّي الأساسي أمام هذه الحكومة حالياً هو في كسب ثقة الشارع اللبناني المنتفض. بمعنى آخر هي تحتاج إلى شرعية شعبية غير متوفرة حتى الآن، ليس لأن القوى السياسية التي أمّنت وصول دياب إلى سدة الرئاسة الثالثة، وشاركته تشكيل الحكومة، ومنحته الثقة لا تملك رصيداً شعبياً، ولكن لأن الشارع المتفض منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي مصرّ كل الإصرار على المضي برفض الحكومة والسياسات المتبعة في البلد، وحتى رفض كل الطبقة السياسية. وهو يبتدع كل فترة وسائل وأساليب جديدة تؤكد تمسّكه بمطالبه، وتكشف حجم الوهن الذي أصاب القوى السياسية.

صحيح أنّ المجلس النيابي منح الحكومة الثقة، ولكن الصحيح أيضاً أنّ حجم الإجراءات الأمنية التي اعتمدت واتخذت في محيط المجلس النيابي وعزلته عن الناس كشفت أيضاً حجم الهوّة التي باتت تفصل النوّاب عن ناخبيهم، وحجم القلق الذي ينتاب هؤلاء النوّاب من الناخبين بما يشير إلى التشكيك بشرعية المجلس النيابي أيضاً. ومن هنا يصحّ القول إنّ الثقة التي منحها المجلس النيابي للحكومة، على هزالها، مشكوكٌ فيها بالنظر إلى حجم التحرك في الشارع والذي يرفض الحكومة التي تشكّلت بعيداً عن تطلعات اللبنانيين، ووفقاً لمنطق المحاصصة الذي أوصل البلد إلى حدود الكارثة.

حكومة الرئيس حسّان دياب سقطت شعبياً، وإن كانت قد نالت الشرعية الدستورية من خلال ثقة المجلس النيابي، وبالتالي فهي بحاجة إلى الشرعية الشعبية حتى تتمكن من العمل، وأمامها فرصة مئة يوم، على أقل تقدير، لإثبات جدّيتها في مقاربة الملفات ومكافحة الهدر والفساد، ووضع الآليات العملية للخروج من نفق الأزمة، وإلاّ فإنّ الضغط الشعبي سيزداد عليها لإجبارها على الاستقالة والرحيل.

وعلى الرئيس دياب أن يدرك أنّ حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه وعاتق حكومته اليوم كبيرٌ جدّاً، ولا مجال للترف أمامه، أو لمراعاة خواطر القوى السياسية التي سمّته لرئاسة الحكومة، أو منحت الثقة لها. فالشارع أعلن رفضه لها، ولكنّه سيراقب أداءها خلال الشهور المقبلة، كما وأنّ المجتمع الدولي، أو الدول التي يعوّل عليها لبنان لدعمه مالياً، تنتظر ما ستقوم به الحكومة، وستقيس أيضاً حجم ردّة فعل الشارع عليها، ولذلك هو معني بأخذ كل ذلك بالاعتبار والحسبان.

أمام هذه الحكومة فرصة استعادة الشرعية الشعبية من خلال استعادة ثقة الشارع اللبناني، إلاّ أنّ ذلك يحتاج إلى إجراءات فعلية حقيقية تلامس وتلبّي مطالب اللبنانيين، ولعلّ أهم ما يمكن أنّ يشكّل مقدمة لاستعادة الثقة والشرعية الشعبية شروع الحكومة في وضع الآليات لمكافحة الهدر والفساد واستعادة الأموال المنهوبة، وكذلك إعداد قانون انتخاب جديد يؤمّن عدالة التمثيل وصحّته، ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية وفقاً لهذا القانون، أي اختصار ولاية المجلس النيابي، وبمعنى آخر أن تؤكّد حكومة دياب للبنانيين أنّها حكومة مرحلة انتقالية وليست حكومة العهد حتى انتهاء ولايته.