العدد 1441 / 16-12-2020

د. وائل نجم

نعم يمكن القول بكل بساطة وسهولة إنّ ما يجري في ملف تشكيل الحكومة هو حرب صلاحيات بما تعنيه الكلمة من معنى، وإلاّ ما تفسير هذا التأخير في تشكيل الحكومة والبلد يعيش أسوأ أوضاعه المعيشية والحياتية، وهو أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى حكومة تعمل على إخراجه من أزماته فيما يجري في أروقة المسؤولين البحث عن كيفية الهيمنة على قرار هنا، أو تكريس عرف هناك، أو الاستئثار بالسلطة بكل مفاصلها هنالك؟!

نعم هناك في السلطة، بل في أعلى هرم السلطة من لا يرى ما يعيشه اللبنانيون. من لا يشعر بما يشعر به كل مواطن لبناني صباحاً وهو يفكّر كيف يحصّل لقمة عيشه. من لا يعتبر ولا يعبّر شيئاً سوى شهوته لممارسة سلطة مطلقة لا حدود لها تشبه سلطة بعض القادة العسكريين الذين لا يعرفون سوى قاعدة "نفّذ ولا تعترض".

نعم هناك في السلطة، بل في أعلى هرم السلطة من ما زال مسكوناً بوهم الماضي وكأنّ العالم لم يتقدّم إلى الأمام ولم ينشأ أيّ واقع جديد عن هذا التقدّم. من ما زال مسكوناً بوهم القوّة والإلغاء مع عدم الاعتراف بكل المستجدات والأحداث والتطوّرات في كل العالم المحيط. من ما زال يعيش الماضي وعقده ولا يريد أن يرى المستقبل وأمله.

لكل ذلك نعم قد اشتعلت حرب الصلاحيات التي يريد البعض فيها أن يطيح بالدستور والقانون والصلاحيات لصالح تكريس أعراف جديد أو صلاحيات جديدة أو مسارات جديدة في لبنان، وهو إن كان يدرك أن ذلك يقود البلد إلى المجهول فهي مصيبة، وإن كان لا يدرك فتلك مصيبة أعظم وأكبر.

قبل بضعة أيام تقدّم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بتشكيلة حكومية من ثمانية عشرة وزيراً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، واعتبر الحريري أنّ هذه التشكيلة تعكس قناعته كرئيس مكلّف لناحية عدد المقاعد الحكومية فيها، ولناحية توزيع الحقائب بما ينسجم مع الدستور، ولناحية اختيار الاسماء التي ستشغل هذه المقاعد، واعتبر أنّها أسماء تتمتّع بالكفاءة والنزاهة والصدقية.

غير أنّ رئيس الجمهورية رفض هذه التشكيلة، والطبع هذا من حقّه الدستوري وصلاحيته التي أقرّها له الدستور. وهنا على الرئيس المكلّف إمّا أن يبحث عن شكل جديد أو يقوم بتوزيع المقاعد بشكل مختلف، أو أن يقوم بتعديل في الأسماء أو ما سوى ذلك بما يحفظ قناعته بالتشكلية، وبما يقنع رئيس الجمهورية، وإمّا أنّه يتمسّك بها، وبالتالي فإنّه سيكون ملزماً عندها بالاعتذار . لأنّ إحالتها إلى المجلس النيابي لأخذ ثقة المجلس يحتاج إلى موافقة وتوقيع رئيس الجمهورية.

ما قام به فخامة الرئيس وفقاً لبيان قصر بعبدا أنّه قدّم تصوّراً كاملاً ومتكاملاً للملف الحكومي، وهذا يعني أنّه قدّم طرحاً فيه عدد المقاعد وتوزيع الحقائب وحتى ربما اختيار الأسماء. وهنا كان التعدّي على الصلاحيات والقفز فوق القانون والدستور، لتشتعل بعدذلك معركة وحرب صلاحياتبين الرئاسة الأولى وما يمكن أن نسمّيه اصطلاحاً الرئاسة الثالثة. هذه الحرب التي يبدو من الواضح فيها أنّ الرئاسة الأولى تريد أن تستأثر بمواقع القرار، وأن تعيد موقع الرئاسة الثالثة ليكون بمثابة وزير أول في الحكومة، يتحمّل مسؤولية المساءلة والمحاكمة والمحاسبة أمام المجلس النيابي، ولا يكون له دور حقيقي في تسمية الوزراء أو توزيع حقائب الحكومة أو رسم سياستها. وهذه محاولة مكشوفة للعودة بالبلد إلى الوراء، إلى ما قبل اتفاق الطائف، أو ربما محاولة من أجل تغيير القواعد حتى لو أدّى ذلك إلى فوضى عارمة أو تحلّل البلد وتفتته إلى كيانات صغيرة فدرالية أو غير فدرالية.

لقد بات من الضروري وقف هذه المسرحية الهزلية، فالدستور واضح والصلاحيات واضحة، والواقع لا يرحم ولا ينتظر، واللبنانيون ليسوا مجبرين على مراعاة الخواطر كثيراً وتحمّل من كان سبباً في أكثر من عملية تخريب تحت عنوان الإصلاح.