العدد 1371 / 24-7-2019
الدكتور وائل نجم

ما تزال حتى كتابة هذه السطور حادثة قبرشمون في عاليه تعطّل انعقاد مجلس الوزراء على الرغم من كل المساعي والاتصالات التي قادها وعمل عليها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. فالحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال أرسلان يطالب بإحالة الحادثة التي سقط فيها اثنان من مرافقي الوزير صالح الغريب إلى المجلس العدلي، مؤيّداً بقوى سياسية أخرى حليفة له. والحزب التقدمي الاشتراكي الذي جرح بعض مناصريه وأصيبوا إصابات بالغة يرفض إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي، ويطالب بتحقيق قضائي أمني عادي قامت به فعلاً شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وأثبت أن الحادثة التي حصلت ليست مخططة، ولا تعدّ كميناً مسبقاً لاغتيال الوزير الغريب أو غيره من الوزراء أو القيادات، وبالتالي فقد أحال المدعي العام اللبناني الملف إلى المحكمة العسكرية.

وأمام هذا الخلاف والانقسام بين الحزبين، وتالياً بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة، تعطّل العمل الحكومي، على الرغم من محاولة الرئيس الحريري عقد جلسة للحكومة من أجل البحث في قطع حساب العام 2017 قبل مناقشة المجلس النيابي لمشروع قانون موازنة العام 2019، وقدتأخّر بشكل متعمّد وزراء التيار الوطني الحر، ووزير الحزب الديمقراطي اللبناني عن الاجتماع قرابة الساعتين، ما حال دون انعقاده في السراي، ليتواصل بعد ذلك تعطيل مجلس الوزراء، خاصة وأن الرئيس الحريري لا يريد أن يتموضع إلى جانب أي من الطرفين، ولا يريد أيضاً عقد جلسة للحكومة إلا في ظل أجواء من التوافق والتفاهم لقناعته أن البلد لا يحكم إلا بمثل هذه الطريقة، وإلا فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة وينزلق البلد معها إلى المجهول.

والسؤال المشروع في ظل استمرار غياب الحكومة عن الانعقاد، هل أن حادثة الجبل، وبعد حصولها، أريد لها أن تكون محطة من محطات تصفية وليد جنبلاط سياسياً؟ أم أنه أريد لها أن تكون جزءاً من الرسائل المتسخدمة بين القوى المتصارعة في المنطقة؟ بمعنى آخر إدخال لبنان على خط المواجهة الاقليمية بشكل محدود يثبت ويؤكد قدرة كل طرف من الاطراف المعنية بالصراع على التحكم بالمشهد اللبناني؟!

يعتقد وليد جنبلاط والقوى المتحالفة معه أن تشبث زعيم الديمقراطي بمطلب إحالة الملف إلى المجلس العدلي، هو ما يعني أن الحادثة تدخل في إطار تهديد أمن الدولة، وبالتالي إمكانية فتح الحساب على هذا الأساس مع جبنلاط، وهو ما يمكن أن يقود إلى واحدة من اثنتين: إما حرب أهلية جديدة في الجبل، وتالياً في لبنان. وإما تصفية وإنهاء وليد جبنلاط سياسياً وربما لاحقاً جسدياً. وكلا الأمرين مرفوض بشكل قطعي عند جنبلاط، ومن هنا منشأ رفض إحالة الملف إلى المجلس العدلي، مع قناعة جبنلاط الكاملة أن الأمر لم يكن كميناً، إنما عبارة عن تصادم يتحمّل مسؤوليته بشكل أساسي الوزير الغريب بحسب رؤية جبنلاط.

والحقيقة أن بعض الأطرف الداخلية وحتى الإقليمية لديها رغبة في معاقبة ومحاسبة وليد جبنلاط على مواقفه التي اتخذها خلال العقدين الأخيرين، إلا أن ذلك لا يعني أن التشدد في المطالبة بإحالة ملف حادثة الجبل إلى المجلس العدلي تدخل في هذا الإطار وإن كانت النتيجة فيما لو أحيل الملف إلى العدلي، تصب في هذا الاتجاه.

في مقابل ذلك هناك من يعتقد أن المسألة لا تتصل بشكل أساسي بمحاسبة أو تصفية جبنلاط سياسياً، إنما تدخل في إطار الرسائل المتبادلة بين بعض القوى المتصارعة على المسرح الإقليمي. والمعروف اليوم أن الضغوط والرسائل الأمريكية الإيرانية المتبادلة تخطت الكثير من الاعتبارات , ليؤكد كل طرف لللآخر، وفق حسابات خاصة به، أنه يملك القدرة والتأثير في بعض المواقع التي تزعج الآخر أو ربما تؤثّر عليه وتقلقه، وهنا يأتي حديث البعض عن محاولة للقول إن لبنان يدخل ضمن هذه الرسائل، إذ يوحي بعضها أن قدرة بعض القوى المشاركة فيما يجري تكنها من فرض حالة من التعطيل أو التسيير أو حتى إخراج الأمور عن نطاق السيطرة بما يضر ويقلق ويؤذي الطرف الآخر، وعليه فإن تعطيل مجلس الوزراء من خلال التمسك باحالة ملف حادثة الجبل إلى المجلس العدلي، وبشكل مدروس وآني، يدخل في هذا الإطار ليس إلاً، ولا يتصل بأي شكل من الأشكال بتصفية جنبلاط أو محاسبته.

وبين هذين القولين يأتي من يقول إن المسألة لها البعدين معاً، وتدخل في إطار تصفية الحسابات مع جنبلاط من ناحية والرئاسل من ناحية آخرى، وربما يكون هذا القول هو الأصح من بين كل ما يحكى ويقال بانتظار جلاء المسألة في الأيام المقبلة.

د. وائل نجم