العدد 1392 / 25-12-2019

د. وائل نجم

وأخيراً أجرى رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة بعد تأجيل أو حبس لها استمر لأكثر من شهر ونصف تقريباً في تجاوز لروح الدستور وفق ما رأى الكثيرون من المتابعين. وبموجب هذه الاستشارات تمّ تكليف الأستاذ الجامعي وزير التربية السابق، الدكتور حسّان دياب، تشكيل الحكومة. وقد سمّى دياب تسعة وستون نائباً توزّعوا على كتل كانت تنضوي في إطار ما كان يُعرف بـ "قوى الثامن من آذار". فيما توزّعت أصوات بقية الكتل بين الامتناع عن التسمية كما في موقف كتلة تيار المستقبل، وموقف كتلة القوات اللبنانية على وجه الخصوص، وبين تسمية السفير السابق نوّاف سلام كما في موقفي كتلة اللقاء الديمقراطي وكتلة حزب الكتائب. المهم أن دياب بعد إجراء هذه الاستشارات بات رئيساً مكّلفاً تشكيل الحكومة وبغض النظر إذا كان سيتمكن من تشكيل الحكومة أم لا؟!

إلاّ أنّه ومن إن انتهت الاستشارات وخرجت النتائج بتكليف دياب حتى انطلقت حملة مشككة بـ "ميثاقية" التكليف، في محاولة للطعن بالاستشارات وبنتائجها، وبالتالي بناء موقف سياسية للمرحلة التالية.

فقد أطلق البعض حملة تشكك في ميثاقية التكليف على اعتبار أن الرئاسة الثالثة مخصصة للمسلمين السنّة في البلد، وأن الصوت الذي يحسم معركة التكليف هو صوت الذين يمثّلون هذا المكوّن في المجلس النيابي. ووفقاً لهذه الحسبة بنظر هؤلاء فقد نال دياب ثقة ستة نواب سنّة فقط سمّوه لرئاسة الحكومة في مقابل امتناع عشرين آخرين لم يسمّوا أحداً وغياب واحد فقط عن الاستشارات. ورأى هؤلاء أن هذا كاف للطعن بميثاقية التكليف، وبالتالي التشكيك بميثاقية التأليف لاحقاً إن حصل.

وفي مقابل ذلك رأى آخرون أن الدستور لم يلحظ بأي شكل من الأشكال مسألة الميثاقية في موضوع التكليف، وبالتالي لا حجة ولا حاجة لإثارة هذا التشكيك، فضلاً عن أن الرئيس المكلّف نال ثقة ستة نواب سنّة منتخبين بأصوات تفضيلية بموجب القانون الانتخابي المعمول به، وبما لا يدع مجالاً لأي شك بصحة تمثيلهم لشريحة من المسلمين السنّة، وبالتالي فإن مجرد تسميتهم للرئيس دياب يؤمّن الميثاقية، علماً وكما قلنا فإن الدستور لا يشترط شيئاً من هذا القبيل عند التكليف.

والحقيقة أن هذا الجدل الذي حاول البعض إثارته مستخدماً مسألة الميثاقية , انطلق من خلفية وهدف سياسي واضح حاول التشكيك بكل العملية التي جرت من أجل تحقيق هدف سياسي لطرف من الأطراف لم يتحقق له في ظروف أخرى، ولذلك لجأ إلى إثارة مسألة الميثاقية ظنّاً منه أن ذلك يطيح بما جرى، ويؤسس لفرصة جديدة.

إلا أن المخاطرة في إثارة مثل هذه المسألة من زاوية الميثاقية تكرّس منطق المحاصصة الطائفية، بل أكثر من ذلك "فدرالية الطوائف" وبالتالي تحالف الأقليات الذي جهد البعض في المنطقة منذ أكثر من عقد على تعميمه وإقناع أقليات المنطقة به، على اعتبار أنه يؤمّن لها دورها وحضورها الفاعل على حساب ما يُعتقد أنها الأكثرية. ولكن للأسف فإن بعض هذه الأكثرية انخدعت أو ربما فضّلت مصالحها الخاصة والآنية على خطر كبير يطيح بمنظومة الدولة والقانون والمؤسسات، ويكرّس منطق غلبة الطوائف على كل شيء، وبالتالي ينسف أي دعوة للمساءلة والمحاسبة، أو للمواطنية والشفافية وتحت عنوان الميثاقية والدور وما إلى ذلك من هذه المفردات التي كان لها الدور الأساسي في التأسيس لظاهرة الفساد وحمايته بل وإدارته.

إن التحدّي الأساسي اليوم، وبعد انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول التي أخرجت الناس من المربعات الطائفية والسياسية إلى رحاب المواطنية الفسيحة، أن يتم التمسك ببناء دولة المواطنة والقانون والعدالة بعيداًعن منطق الحسابات الطائفية، وأن يتم رفض أية دعوة للعودة إلى داخل تلك الجدران التي عزّزت الفساد وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه تحت عنوان تقاسم الحصص والنفوذ والحضور والدور، وإلاّ فإن هذه الطبقة التي حكمت وأوصلت البلد إلى هذه النتيحة ستظل متحكمة باسم الميثاقية وستظل تحمي الفساد الذي يكتوي بناره كل اللبنانيين.