العدد 1473 /11-8-2021

لا يبدو أنّ المخرج من الأزمات التي نعيشها سيكون قريباً أو سهلاً أو دون تكاليف، فالأزمة بلغت مستوى لم يُعهد من قبل. انقطاع غير مسبوق للتيار الكهربائي، شح غير مسبوق في مادة المازوت،تقنين غير عادي في البنزين. تلويح بفقدان مادة الغاز من السوق. توقف عمل العديد من المؤسسات والقطاعات بسبب فقدان الكهرباء. غلاء فاحش يأكل ما تبقّى من سيولة في جيوب الناس. أدوية لأمراض مزمنة وغير مزمنة مفقودة من الصيادليات. وقائمة طويلة جداً من الأمور والأسباب التي تجعل الإنسان يقف على رجليه في الحياة، ومعاناة تزداد يوماً بعد يوم منذرة بانفجار اجتماعي أمني لا حدود له، ولا نتائج معروفة يمكن أن تنتج عنه، في وقت تعيش السلطة القائمة والقوى والأحزاب السياسية على خلافاتها وعلى "ثقة" اتباعها بها، غير آبهة بأزمات الناس ولا بمعاناتهم، فهي ما زالت تتحدث إلى اليوم عن مقاعد حكومية وعن حصص وازنة وعن صلاحيات لهذا الموقع أو ذاك،أو ما زالت تتحدث عن تحرير هنا أو معركة مصيرية مفصلية هناك فيما المفصل الحقيقي عند الناس اليوم. عند كل الناس هو في تأمين لقمة عيشهم الكريمة، وفي حصولهم على الكهرباء حتى تقوم "ست البيت" بأعباء المنزل من طهي وغسيل وخلافه. وحتى يقوم رب المنزل بتأمين ما يلزم للعائلة دون إذلال. ولكن السؤال الجوهري والأساسي هو: لماذا يجري كل ذلك؟ ومن المسؤول عنه؟ ومن الذي يقف خلفه؟

أسئلة باتت بحاجة إلى إجابات جدّية حقيقية، وليس مجرد تكهنات أو مواقف انفعالية صادرة عن ردّة فعل على حدث هنا أو سياسة هناك.

هل ما يجري هو بفعل الفساد المستشري في البلد فقط؟ أم أنّ ما يجري الآن في لبنان هو جزء من لعبة وعملية الشروط المفروضة من أجل إخضاع البلد بالكامل لإرادة القوى الكبرى حتى لا يخرج عن إرادتها ومصالحها؟ أم أنّ ما يجري هو حصار محكم من أجل تغيير نهج البلد ومساره ؟

صحيح أنّ الفساد مسؤول عمّا آلت إليه الأمور في البلد، وصحيح أنّ الطبقة السياسية الحاكمة هي المسؤولة عن هذا الفساد، وهي التي تمارسه بأشكال وصور عديدة، وهي التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ هذه الطبقة السياسية مرعية "من فوق"، أي من القوى الدولية والكبرى التي تريدها وتريد لها أن تكون فاسدة، وتريد لها أن تعيث فساداً بيننا وفي وطننا. ألا تذكرون كيف أنّ الرئيس الفرنسي عندما زار لبنان بعيد انفجار المرفأ مباشرة أعاد تعويم هذه الطبقة السياسية التي كانت قد أوشكت على السقوط؟! ألا تذكرون كيف يمدّونهم بأسباب البقاء في سدّة المسؤوليات ويهدّدونهم بالعقوبات ثم لا نجد بعد ذلك أي عقوبة أو أي إجراء؟! الحقيقة أن هذه الطبقة السياسية ومن خلفها القوى الدولية والكبرى هم على الشعب اللبناني المسكين، وهم الذين يصنعون له أزماته. أنّ ذلك يدخل ضمن استراتيجية الإلهاء والتخويف حتى لا يفكّر إلاّ بما يبقيه على قيد الحياة فقط.

وأمّا عن الخروج من هذه الدوّامة وهذه الأزمات المتراكمة، فلا يكون بالتعويل على هذه الطبقة المفلسة، ولا على الإجراءات غير المنضبطة والفوضوية والتي عادة ما يدفع المواطن العادي ثمنها بينما يعود كسبها إلى الطبقة الحاكمة. إنّ أفضل حلّ يكون بالتوجّه المباشر إلى هذه الطبقة، إلى الجميع بمن فيهم أولئك الذين يخدعون الناس ويدّعون أنّهم معهم وهم في الحقيقة ضدهم، بل مع مواقعهم ومع أحزابهم وطوائفهم قبل أن يكونوا مع الناس وأوجاعها. أيّها الناس : قديماً قيل إن أقرب خط بين نقطتين هو الخط المستقيم. وإن أقرب فرصة للحل هي الخط المستقيم بينكم وبين الطبقة المسؤولية عن مآسيكم، فلا تتوجهوا إليها بطرق غير مباشرة بل بشكل مباشر حتى تنزل من عليائها وتستقيم الأمور في هذا البلد.

د. وائل نجم