العدد 1367 / 26-6-2019
الدكتور وائل نجم

تصاعدت في الآونة الأخيرة لهجة ونبرة الخطاب العنصري في البلد وبرزت في أكثر من شكل. فمن الحديث عن جثة السنّية السياسية واستعادة المارونية السياسية على حسابها، إلى الضخّ اليومي في المواقف السياسية وفي وسائل الإعلام ضد اللجوء السوري وتحميله كل مصائب وأزمات البلد، إلى بروز ظاهرة منع بيع أو تأجير أي مواطن لبناني لا ينتمي إلى طائفة أو مذهب أهل البلد أو المدينة أو أصحاب الحقوق كما جرى في بلدة الحدث مع أن ذلك مخالف للدستور والقانون، إلى غيرها من الممارسات الكثيرة التي تكاد لا تعد ولا تحصى والتي تصبّ في خانة إثارة الغرائز والعنصرية على حساب الخطاب الجامع الذي يعزز مفهوم العيش المشترك والسلم الأهلي ودولة المؤسسات.

مما لا شكّ فيه أن بعض الذين يعتمدون خطاباً ضيقاً عنصرياً إنما يلجأون إلى ذلك من أجل شدّ العصب الطائفي والمذهبي في هذا البلد، مع إدراك الكثيرين منهم إن ذلك يشكّل خطراً محدقاً بالبلد وبالمكوّن الذي ينتمون إليه. إلا أنهم يعمدون إلى إطلاق مثل هذا الخطاب لأنهم يخافون على حضورهم وعلى قدرتهم في ساحتهم، فهم يعيشون ويؤمّنون حضورهم وتمثيلهم للمكوّن الذي ينتمون إليه من خلال شد عصب هذا المكوّن دون اي اعتبار لأي شيء آخر. وهذا بالطبع يُعدّ خطراً كبيراً على البلد، إذ أن كل فعل يولّد ردّة فعل موازية في الحجم مخالفة في الاتجاه، وبالتالي فإن الآخرين ممن يعيشون أيضاً عقدة نقص التمثيل والخوف من خسارة الجمهور سيعمدون إلى إثارة الغرائز، واعتماد الخطاب ذاته من أجل شدّ عصب جمهورهم، وبالتالي سنكون في البلد أمام استقطابات جديدة، ومتاريس جديدة، وإشكاليات جديدة لا تقلّ خطورة عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي يعيشها لبنان. إن كل ذلك يضع لبنان أمام مصير مجهول قد ينزلق بالجميع في أية لحظة إلى الحرب العبثية المفتوحة التي دفع اللبنانييون أثمانها خلال الحرب المشؤومة الكثير الكثير.

إن أولئك الذين يعتمدون الخطاب العنصري الضيق، ويحرّضون اللبنانيين على بعضهم البعض، يشعلون فتيل فتنة قد لا تبقي ولا تذر، وبالتالي فهؤلاء يخالفون الدستور الذي شدد على العيش المشترك وعلى السلم الأهلي، لأنهم بما يقومون به يهدّدون العيش المشترك، والسلم الأهلي، ويشكّلون خطراً كبيراً على البلد، ولو أن القضاء كان حاضراً بشكل فعلي، لكان أوقف هؤلاء وأحالهم إلى المحاسبة على ما يثيرونه من عناصر الكراهية والبغضاء والفتنة بين اللبنانيين. إلا أنه للاسف ربما نجد أن مسؤولين كبار ينخرطون في إثارة الغرائز واعتماد هذه اللهجة التي تهدّد مصير البلد بشكل كبير وجدّي.

إن هؤلاء الذين يحرّضون اللبنانيين على بعضهم، ويضعون بينهم السدود والعوائق، ويخوّفونهم من بعضهم، هؤلاء لا يقلّون خطورة عن أولئك الذين يوصفون بـ "الارهاب". فيما يقوم به العنصريون هو إرهاب من نوع آخر يدمّر البلد عن معرفة منهم أو عن جهل.

إن من واجب كل العقلاء في هذا البلد العمل من أجل وضع حد لخطاب الكراهية والعنصرية، ودعوة اللبنايين إلى الانفتاح على بعضهم، وإلى مزيد من إشاعة أجواء التفاهم والتقارب والتعاون والعمل والعيش المشترك، وإلا فإنّ البلد يسير نحو مجهول قد يدفع الجميع ثمنه، وفي الأخص أولئك الذين لا يدركون ماذا يفعلون.

د. وائل نجم