العدد 1472 /4-8-2021

لا يبدو أنّ طريق الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، نجيب ميقاتي، مفروشة بالورود والرياحين كما أوحت بذلك تصريحات الكتل النيابية والقوى السياسية خلال فترة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف بعيد تكليفه، بل على العكس من ذلك بدأت المواقف الحقيقية تظهر وتكشف عمق الأزمة، أو بالأحرى المعطّلين الحقيقيين لتشكيل الحكومة، وإبقاء لبنان في أتون الأزمة الخانقة والحارقة.

فقد قدّم الرئيس المكلّف تصوّراً أولياً لشكل الحكومة وتوزيع الحقائب فيها إلى رئيس الجمهورية في إطار التشاور بين الرجلين، غير أنّ رئيس الجمهورية طلب مهلة لدرس التصوّر ومن ثمّ الإجابة عليه، وأبدى الاستعداد للتعاون مع ميقاتي، غير أنّ الجواب أتى مخالفاً لما أبداه من استعداد، فقد أبدى ملاحظات حول التصوّر، خاصة لناحية توزيع الحقائب، ولناحية وزارتي الداخلية والعدل وإلى من ستؤولان من القوى والأطراف الداخلية، وهنا بدأت الأمور تعود إلى مربع المحاصصة والاستئثار ومحاولات الهيمنة، وإلى منطق العرقلة والتعطيل، ومعها "عادت حليمة إلى عادتها القديمة".

الجميع يعترف اليوم بخطورة الأزمة وحجم الكارثة التي يمكن أن تترتّب عليها، غير أنّ أحداً لا يريد أن يتراجع خطوة إلى الوراء من أجل البلد. آخر ما كشفت عنه الأوساط القريبة من الرئيس ميشال عون قالت إنّ الرئيس يشدّد على التزام المبادرة الفرنسية لناحية مبدأ المداورة في الوزارات السيادية. بمعنى آخر العودة إلى المربع الأول الذي تمّ تجاوزه مع بداية مساعي تشكيل الحكومة في زمن الرئيس المكلّف الأول مصطفى أديب ومن بعده سعد الحريري، لناحية إعطاء وزارة المالية للطائفة الشيعية. اليوم الرئيس عون يريد أن تخضع وزارة المالية لبدأ المداورة كغيرها من الوزارات، وهو منطق يبدو صحيحاً ومنطقياً، لكنه في الوقت ذاته يعيد خلط الأوراق من جديد ويعيق ويعرقل تشكيل الحكومة، لأنّ إعطاء الطائفة الشيعية وزارة المالية في الحكومة المرتقبة كان من ضمن التزام وتأكيد عدم حصرية أيّة وزارة لأيّة طائفة أو مكوّن في البلد. بمعنى آخر عدم تكريس أعراف بحيث تكون أيّة وزارة حكراً على أيّة طائفة أو جهة.

اليوم مع هذا المطلب ومع غيره من مطالب تقع تحت عنوان المحاصصة والاستئثار يعود ملف تشكيل الحكومة إلى المربع الأول، إلى مربع المحاصصة والعرقلة والتعطيل، وهو ما لن يخضع له الرئيس ميقاتي، وقد أشار بشكل واضح بعد لقائه رئيس الجمهورية يوم الاثنين إلى أنّ سقف مساعي تشكيل الحكومة ليس مفتوحاً، وأنّه يريد الإسراع بتشكيل الحكومة لأنقاذ البلد، بمعنى آخر فإنّ ميقاتي وضع سقفاً زمنياً لمساعيه، قيل إنّه عشرة أيام كحدّ أقصى فإمّا يتم تشكيل الحكومة خلال هذه الفترة، وإمّا يقدّم ميقاتي اعتذاره أيضاً عن تشكيل الحكومة، وعندها لن يجد رئيس الجمهورية من يجرؤ على التقدّم للتصدّي لهذه المهمّة، وبالتالي فإنّ البلد سيكون بعد ذلك في ظل حكومة تصريف أعمال حتى نهاية العهد، هذا إذا بقي أو ظلّ لبنان إلى تلك اللحظة.

هل يعمل البعض على تخريب البلد وصيغة العيش المشترك فيه لصالح إنتاج صيغة جديدة للنظام تكون مختلفة عن الصيغة الحالية المستندة إلى الشراكة الوطنية والانصهار ضمن العيش الواحد والمشترك لصالح نظام منقسم على حاله ومنعزل عن محطيه؟ إنّ ما يجري لا يُهم منه إلّا ذلك، ولكن على من يقود القاطرة إلى تلك المحطة أن يدرك ويعرف أنّ كيانات منعزلة أو معزولة في المنطقة تجهد وتعملب لك طاقتها من أجل الانفتاح على الجوار العربي والإسلامي، والاندماج ضمن المحيط الجغرافي حتى تكون جزءاً منه، في حين أنّ مَنْ عندنا يعملون بكل قوتهم لعزل أنفسهم ومجتمعهم عن محطيهم من خلال سياسات ومواقف لن تكون في صالحهم ولا في صالح من الناس الذين يتحدثون باسمهم، وقد آن الأوان للقول لكل أولئك كفى لبنان ما هو فيه وآن أوان ولادة حكومة تنقذ ما يمكن إنقاذه من لبنان.

د. وائل نجم