العدد 1478 /15-9-2021

وأخيراً قُطع الشكّ باليقين وتشكّلت الحكومة من 24 وزيراً حزبياً ومستقلاً وصاحب اختصاص. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يقطع الشكّ باليقين لدى حديثه عن الثلث المعطّل لرئيس الجمهورية، بل اكتفى بالقول إنّه كرئيس حكومة يملك ثلثين في الحكومة سيعملان على مواجهة الأزمة. ماذا يعني هذا الكلام؟ ماذا عن الثلث الثالث؟ هل سيكون في مواجهة الأزمة؟ أم ترى سيكون ممن يختلقون الأزمات؟؟ الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال المشروع.

تشكّلت الحكومة ولكن الأزمة لن تنتهي. ربما يكون هناك بعض الحلول المرحلية والجزئية والآنية. ربما يكون هناك بعض التخفيف من وطأة الأزمة في ملفات الكهرباء والمحروقات والأدوية وغيرها، ولكن لن يكون هناك انتهاء للأزمة ومغادرة لمربعها.

لقد جاء تشكيل الحكومة بهذه الطريقة بعد ثلاثة عشر شهراً من تصريف الأعمال وفي لحظة تاريخية فارقة نتيجة تقاطات في المصالح بين أطراف خارجية ضغطت بشكل كبير على الأطراف الداخلية. لقد عبّر عن ذلك التصريح الذي أطلقه كلّ من الرئيسين الإيراني إبراهيم رئيسي، والفرنسي إيمانويل ماكرون، وأشارا فيه إلى تشكيل حكومة قوّية في لبنان. إنّ هذا التقاطع في المصالح، وغض النظر الأمريكي هو الذي سمح بتشكيل الحكومة في لبنان. وإنّ ذلك يعني أنّ اللحظة التي يمّر بها لبنان هي التي فرضت هذا التقاطع بالمصالح، وليس التسوية الشاملة، وبالتالي فإنّ ذلك يعني أنّ هذه الحكومة ستعمل تحت هذا السقف، سقف ربط النزاع بين المشاريع المتنافسة أو المتصارعة في المنطقة، وستكون خاضعة لهذا الاعتبار الذي قد يدفع نحو تأزّم المشهد في أيّة لحظة.

الصراع في المنطقة وعليها لم ينته بعد، والجولات تأتي تباعاً، ولكن الحرص على عدم انزلاق لبنان إلى الفوضى الشاملة والمجهول بات واضحاً، وعليه فإنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستواجه هذا الواقع، وستعمل على الإفادة من أيّة ثغرة تمكّنها من تخفيف وطأة الأزمة، وفي مقابل ذلك قد تكون عرضة للضغط والابتزاز من هذا الطرف والمحور أو من ذاك.

إنّ من أبرز التحدّيات التي تواجهها حكومة الرئيس ميقاتي مسألة إيجاد الحلول للأزمة الحياتية المعيشية الاقتصادية، وهذا ليس أمراً سهلاً وميسّراً، بل يحتاج إلى إقناع الدول المانحة والداعمة للبنان وصندوق النقد الدولي لضخ أموال جديدة في الدورة الاقتصادية اللبنانية، وهذا يقابلة عند هؤلاء القيام بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة في الإدارة والسياسة والاقتصاد، وهو أمر ليس ميسّراً وسهلاً في ظل انقسام سياسي داخلي وحسابات تتصل بالوضع العام في لبنان والإقليم، وبالتالي فإنّ الحصول على الأموال للتخفيف من وطأة الأزمة ليس أمراً سهلاً، ولكنّه ليس مستحيلاً، لأنّ القناعة التي تشكّلت عن الأطراف الفاعلة والمؤثّرة، والتي أوصلت إلى تقاطاعات سمحت بتشكيل الحكومة، ستكون كفيلة بتشكيل قناعة أيضاً بتقديم مساعدة كل فترة وفترة حتى لا يصل لبنان إلى الانهيار الشامل. إنّ هذا يعني أنّ هذه الحكومة لن تحلّ الأزمة بشكل نهائي ودائم، لأنّ لبنان ما زال واقعاً تحت تأثير الصراع والتنافس الدولي الإقليمي على المنطقة، وهو إحدى الساحات المستخدمة في هذا الصراع والتنافس. لكنّ هذه الحكومة ستقدّم بعض التقديمات التي ستكون كفيلة بتخفيف وطأة الأزمة كل مدّة ومدّة.

أمّا التحدّي الآخر فهو في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وهذا ليس أيضاً بالأمر السهل، لأنّ كلّ ما يجري اليوم من ضغوطات وابتزاز وغيره يصب في قناة المعركة الانتخابية التي يعمل كل طرف أو محور على كسْبها والفوز بها لأنّها هي التي ستعيد تكوين وإنتاج السلطة في لبنان من جديد.

ببساطة إنّ كل ما جرى ويجري في لبنان وما سيجري مستقبلاً هو جزء مما يجري في المنطقة بشكل عام، وعلى اللبنانيين أن يقتنعوا بذلك وأن يتعاملوا مع الأحداث التي تجري في بلدهم انطلاقاً من هذا الاعتبار.

د. وائل نجم