العدد 1398 / 29-1-2020

د. وائل نجم

الحراك الشعبي الذي انطلق ليلة 17 تشرين الأول وتواصل على مدى أكثر من ثلاثة أشهر وأحرز بعض النقاط يجد نفسه اليوم أمام تحدّيات إضافية لا بدّ أن يتعامل معها.

أولاً لقد استطاع هذا الحراك أن يستمر طيلة الشهور الماضية، واستطاع أن يحمل الحكومة السابقة على تقديم ورقة إصلاحات اقتصادية اجتماعية، بغض النظر إذا ما كانت الحكومة الحالية ستأخذ بها أو ببعضها أم لا. واستطاع أيضاً لاحقاً أن يرغم حكومة العهد الأولى على الاستقالة، وأن يكون تصوّره لشكل وحجم الحكومة الحالية حاضراً في عقل القوى السياسية والكتل النيابية عند تسمية رئيس الحكومة الجديد، وعند تشكيل الحكومة أيضاً، وحتى عند مناقشة الموازنة في جلسة المجلس الأخيرة. وكل هذه تعدّ من المنجزات التي أحرزها الحراك، وكذلك من التحدّيات التي استطاع أن يتجاوزها ويتخطاها. إلا أنّه في قضايا أخرى لم يحرز تقدّماً أو إنجازاً لاعتبارات كثيرة، ولكن ذلك لا يعني أن الحراك قد انتهى أو أنه أحرز كل ما يريد، فهو بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حسّان دياب بات أمام تحدّيات إضافية وجديدة لا بدّ أن يتعامل معها. فما هي أبرز هذه التحدّيات؟ وكيف سيتعامل الحراك معها؟

لعلّ التحدّي الأهم الذي ينتظر ألحراك بعد تشكيل الحكومة هو في الحفاظ على سلمية وحضارية التحركات والفعاليات التي اعتمدها الحراك طيلة الشهور الماضية. فمن الواضح أن هناك من يحاول أن يحرف الحراك عن هذا المسار، وقد بدا ذلك واضحاً في المواجهات التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة سواء في شارع الحمرا أثناء الهجوم على مصرف لبنان وبقية المصارف، أم في وسط بيروت في الليالي التي شهدت محاولات لاقتحام المجلس النيابي وقد حصلت مواجهات عنيفة بين القوى الأمنية والمحتجين الذين لجأوا إلى العنف وأعمال الشغب والفوضى والتكسير، وقد خلّفت تلك المواجهات إصابات كثيرة فضلاً عن توقيفات للعديد من المشاركين، وهو بحد ذاته ما يهدد الحراك الشعبي لاحقاً بالانزلاق نحو الفوضى والعنف، وهذا بالطبع سيصيبه في مقتل إذ أن الكثيرين سينفضّون عنه، فضلاً عن أن ذلك سيتيح للمجموعات أو القوى التي تتقن لعبة العنف والفوضى ولديها الإمكانات قيادة الحراك وأخذه إلى المكان الذي تريده هي.

ولعلّ التحدّي الآخر أمام الحراك هو في الحفاظ على البعد الوطني في الفعاليات وفي الشعارات وفي الخطاب الجامع. وهنا يلاحظ أن هناك من بدأ يعمل على تحويل الحراك من الوطني الجامع إلى "الشوارعي" الضيّق، وبالطبع هذا أيضاً يشكّل تحدّياً مهماً أمام الحراك نجح فيه خلال الشهور الماضية وهو مطالب بتحصين نفسه حياله خلال الأسابيع والشهور المقبلة.

أما التحدّي الثالث فهو في رفض الانقياد إلى أي جهة داخلية او خارجية، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، خاصة وأن الجهات التي تحاول الاستغلال و "الاستثمار" في الحراك على المستوى الداخلي والخارجي كثيرة، ولها "أجنداتها" الخاصة. وقد استطاع الحراك أن يحقق بعض الانجازات عندما كان عاماً رافضاً لأي تدخل فيه، والحفاظ على ذلك يتيح له القدرة على ترسيخ القناعة به، وفتح الطريق أمامه لتحقيق تطلعاته.

كما أن من التحدّيات الماثلة أمام الحراك اليوم بعد تشكيل الحكومة، أنه رفع شعار حكومة الاختصاص، وأن الحكومة التي شُكّلت، وبغض النظر عن آلية وطريقة التشكيل، تضم وزراء من أصحاب الكفاءة والاختصاص، ونحّت جانباً كل الوجوه القديمة التي كانت تستفز الشعب اللبناني، ويعتبرها المسؤولة عن معاناته. وبالتالي فإن العامل السلبي على الدوام مع هذه الحكومة، بعد إعداد بيانها الوزاري ونيلها الثقة، والحكم المسبق عليها، قد يجعل الحراك يفقد بعضاً من مصداقيته، وبالتالي فإن التحدّي في هذا السياق يكمن في الحكم على ما ستقدمه الحكومة، وما ستقوم به، ومن ثم بعد ذلك البناء على الشيء مقتضاه، وإلاً فإن الكثيرين قد يرون أن الحراك ليس سوى ألعوبة بأيدي الآخرين وعند ذلك يفقد مبرر وجوده وبذلك يكون قد سقط بالضربة القاضية.