العدد 1440 / 9-12-2020

بقلم: د. وائل نجم

يمكن القول ومن دون أدنى خشية أن لبنان يعيش هذه الأيام على حافة هاوية سحيقة قد ينزلق إليها – لا سمح الله- في أية لحظة، إذا لم يبادر المسؤولون إلى تحمّل المسؤولية والتصرّف بمنطق رجال الدولة، ويتخذوا قرارات جدّية تخرجهم أولاً من منطق المحاصصة والاستئثار والكيدية و"الولدنة" و"الصبيانية"، وتخرج لبنان من هذه الدوّامة من الأزمات التي تتناسل كل يوم مخلّفة مزيداً من الأزمات التي لا تنتهي فصولاً.

لكن قبل الحديث الأسباب والأمور التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه، لا بدّ من التذكير أنّ جزءاً كبيراً يعود إلى الخارج ربما بنفس القدْر الذي يعود فيه إلى سياسات القوى المهيمنة والمتحكّمة بمقاليد السلطة بالبلد.

وعندما نتحدث عن الخارج لا نلقي باللائمة على "الطليان" كما يقال في المثل الدارج، "الحق على الطليان"، إنّما هي حقيقة تتصل بحجم التدخّل الخارجي في المشهد اللبناني، وعلينا أن نتذكّر أنّ جزءاً لا يستهان به من مشكلاتنا وأزماتنا التي نعيشها ونعانيها هي بسبب الخارج. الآن الخارج المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، والدول التي تُمسى راعية، وغيرها تشترط جملة من الشروط الكثيرة التي تصل إلى حدود الإخضاع من أجل مساعدة لبنان ميالياً، أو من أجل السماح لمن يريد أن يساعد لبنان مالياً، أو من أجل عدم "إرهاب" اللبنانيين وإخافتهم بالعقوبات فيما لو فكّروا في طلب المساعدة من دول أو أصدقاء آخرين. ثم إنّ لا يكتفون بالشروط والحصار والعقوبات، بل يريدون أن يرسموا لنا الطريق الذي يجب أن نسلكه، وهو في الغالب طريق يؤدّي إلى تحقيق مصالحهم، قبل مصالح اللبنانيين. وأكثر من ذلك يشترطون علينا مواصفات معيّنة ومحدّدة بالأسماء والصفات للحكومة التي ستدير شؤوننا أو للمجلس النيابي الذي سيمثّلنا، أو حتى لكل موظف في أية إدارة من إداراتنا، وقد سمعنا خلال الأيام الماضية عن تحفظات طالت بعض الأسماء في مواقع حسّاسة. والأنكى من كل ذلك فإن هذا الخارج هو ذاته يريد تعويم الطبقة السياسية، أو بالأحرى هو عوّم الطبقة السياسية من جديد بعد هذا الكم الهائل من الكوارث التي أصابتنا وليس انفجار المرفأ آخرها.

وأمّا على المستوى الداخلي فإن هذه السلطة الحاكمة مسؤولة عن بشكل رئيسي عن حجم الكارثة التي وصلنا إليها، لأنّها غلّبت مصلحتها الخاصة والضيقة والحزبية والطائفية والشخصية على المصلحة الوطنية العامة، وتعاملت مع الوطن كما لو أنّه شركة منتجة يريد كل شريك أن يأخذ حصته منها دونما نظر أو اعتبار لحجم الخسارة التي يمكن تلحق بها. وبالتالي فإنّ هذه الطبقة والسلطة الحاكمة مسؤولة عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولا ينفع أن يقوم كل طرف بإلقاء اللوم والمسؤولية على الطرف الآخر وكأنّه غير شريك أو معني بما آلت إليه الأوضاع، أو أن يبدأ كل طرف منها بالبحث عن موقع في صفوف المضطهدين المنسيين المقهورين، وهو في حقيقة الأمر يمثّل هذا الدور ولا يعيشه حقيقة.

لبنان اليوم بات على حافة الهاوية التي يمكن أن ينزلق إليها في أية لحظة. أكتب هذه الكلمات وفي السراي الحكومي يلتئم اجتماع وزاري يبحث في رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية كالطحين والأدوية والمحروقات، فيما سعر صرف الليرة تهاوى في الأسواق الموازية بشكل جنوني، والقيمة الشرائية لراتب الموظف أو العامل اللبناني لم تعد تساوي شيئاً حيث خسر هذا الموظف أو العامل ما يقارب 80% من القيمة الشرائية لراتبه، ناهيك عن أنّ العديد من المؤسسات الاقتصادية أقفلت أبوابها وسرّحت عمّالها الذيم باتوا عاطلين عن العمل ويبحثون عن أية فرصة تمكّنهم من تأمين لقمة عيشهم، وفوق كل ذلك تأتي هذه الطبقة اللامسؤولة وتطرح رفع الدعم عن السلع الأساسية التي ما زال المواطن يعيش بها حتى اللحظة. كيف سيتمكن المواطن من العيش عندما تصبح ربطة الخبز بشعرة آلاف ليرة وصفيحة البنزين بثمانين ألف ليرة، وعلبة الدواء بمئتي ألف أو أكثر؟! من أين يحصل على لقمة عيشه وعلى علم يؤمّن له كل تلك الاحتياجات؟! وهل المطلوب أن يتجه الناس نحو الفوضى لهدم البلد على رؤوس ساكنيه؟! هل المطلوب أن يكتمل الحصار من الخارج والداخل لإحكام السيطرة على بلدنا وقرارنا ونفطنا ومياهنا وكل ثروتنا؟! هل المطلوب أن نستسلم وننقاد كالخراف أو أن نموت بالجوع والعطش وأثناء رحلة البحث عن حبة الدواء؟!

إنّ السلطة مسؤولة لأنّها ارتضت أن تتحمّل المسؤولية، وعليها إيجاد الحلّ، والحلّ يبدأ من استعادة الأموال المسروقة والمنهوبة، ووقف التهريب، ووضع حدّ للفساد والفاسدين، والتصرّف بمنطق رجال الدول.

وإنّ الخارج مسؤول لأنّه يحاصرنا تحت عنوان الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، وهو في الحقيقة يريد استسلامنا وانقيادنا لشروطه كاملة. لكل ذلك لبنان على حافة الهاوية، ويبدو أنّه بات في وضعية الاختيار بين استمرار الأزمات أو التسليم للطبقة الحاكمة من ناحية ولراعيها الخارجي من ناحية ثانية وما على الناس في مثل هذا الوضع إلا أن تختار ما ستختار .

بيروت في 8/12/2020