العدد 1535 /2-11-2022
د. وائل نجم

ودخل لبنان اعتباراً من الأول من تشرين الثاني الجاري فترة الشغور الرئاسي التي لا نعرف إلى متى ستمتدّ. وتزامن هذا الشغور هذه المرّة مع تواجد حكومة مستقيلة بحكم الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، وتزامن أيضاً مع أزمة اقتصادية خانقة ومستفحلة قضت على القدرة الشرائية للمواطنين الذين تحوّل القسم الأكبر منهم إلى الطبقة الفقيرة التي باتت تشكّل قرابة 80% من المواطنين تقريباً.

في المرّة الماضية عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان في العام 2014 كانت الحكومة وقتها تتمتّع بثقة المجلس النيابي، ولذلك انتقلت إليها صلاحيات الرئاسة وفقاً لمنطوق الدستور من دون مماحكات أو من دون اجتهادات وتفسيرات دستورية معيقة ومعرقلة. أمّا اليوم فإنّ الحكومة لا تتمتّع بثقة المجلس النيابي المنتخب ومن هنا دخل فريق في اجتهادات وتفسيرات دستورية ليس لها أيّ أصل لسحب الشرعية والدستورية عن الحكومة، وبالتالي إيجاد مشكلة إضافية وجديدة لإعاقة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي، ولإدخال البلد في أزمة جديدة، وإرغام الأطراف على الخضوع لمطالبه وشروطه.

والأصل أنّ الدستور واضح لناحية انتقال صلاحيات الرئاسة الأولى إلى الحكومة من دون تحديد إذا ما كانت أصيلة أو مستقيلة، لأن الطبيعة تأبى منطق الفراغ، وبالتالي فالاجتهاد بعدم دستورية انتقال الصلاحيات الرئاسية للحكومة المستقيلة ليس إلاّ من قبيل الاستمرار في مسار التعطيل والتأخير.

غير أنّ الأصل الأساسي هو في اجتماع المجلس النيابي وعدم الخروج من القاعة العامة قبل انتخاب رئيس جديد وفقاً للمنطق الديمقراطي ومن ضمن آليات العمل الديمقراطي، وإلاّ لا معنى للنظام الديمقراطي في حياتنا.

أمس في الجوار اللبناني في فلسطين المحتلة جرت انتخابات جديدة لـ "الكنيست" فاز فيها طرف على طرف آخر بفارق ضئيل جدّاً، ولكن ذلك لم يعطّل الحياة السياسية ولا "المسار الديمقراطي" في الكيان.

وفي البلاد البعيدة نسبياً عنّا، في البرازيل، جرت انتخابات رئاسية فاز فيها مرشح على آخر بفارق ضئيل جدّاً هو أقلّ من 1%، ومع ذلك لم يقاطع أي طرف الحياة السياسية ولم يعطّلها أبداً. كما أنّه لم يلجأ إلى الإضرار بمصالح البلاد والعباد. فما بالنا في لبنان يعمل البعض على تعطيل الاستحقاقات وفرض الشغور الرئاسي على قاعدة إمّا أنّ أكون أنا أو لا يكون البلد؟!

أمّا بالنسبة للأزمة الاقتصادية الخانقة والضاغطة فهي أيضاً حديثة وجديدة ولم تكن في العام 2014 كما هي اليوم. فلا الدولار كان قد تخطّى عتبة الـ 1500 ليرة، ولا القيمة الشرائية للرواتب كان بمثل هذا الانهيار المريع.

اليوم ماذا ينتظر المسؤولون عن الشغور والفراغ وعدم تشكيل الحكومة والأزمات؟ اللبناني لم يعد بمقدروه الصمود أكثر. لقد انهار أمام كلّ شيء، حتى الثقة بالدولة تراجعت كثيراً وهذا يهدّد الكيان والاستقرار والمجتمع بشكل عام.

اليوم الأولوية الأساسية باتت لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب وقت، لأنّ تشكيل الحكومة لم يعد له معنى أمام الشغور الرئاسي، وأمّا الحوار الوطني الذي قيل إنّ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي يعتزم الدعوة إليه، فهو مرحب به طالما أنّه سيركّز على ضرورة انتخاب رئيس جديد، لا أن يكون بديلاً عن المؤسسات الدستورية، أو أن يشكّل مدخلاً للبحث في قضايا تؤخّر الانتخاب وتفاقم الأزمة بل ربما تُدخل البلد في أتون ويلات جديدة.

د. وائل نجم