الأسبوع الماضي كان عاصفاً بأحداث جسام، تحوّل خلالها لبنان والعالم من الاهتمام بالقضايا المحلية والإقليمية الى ما هو أكبر وأبعد أثراً، أعني «القمة العربية الإسلامية الأمريكية» أي قمة الرياض، والبيان الختامي الذي صدر عنها، والمواقف التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سواء من الرياض أو فلسطين المحتلة.
لم يكن أمراً عادياً أن تكون المملكة العربية السعودية أول دولة يزورها الرئيس الأميركي بعد انتخابه، ولا أن تجمع له المملكة خمساً وخمسين دولة (أو ستاً وخمسين) ممثلة بملوكها ورؤسائها أو كبار المسؤولين فيها، ليحاول ترامب تصحيح مواقفه التي سبق أن أعلنها خلال حملته الانتخابية، والتي جعلت منه رئيساً عنصرياً انتهازياً، معادياً للإسلام والمسلمين، لا سيما الشعوب التي تعاني ظلامات كانت الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً طرفاً معادياً فيها لحقوق وقضايا هذه الشعوب. وقد حاول الرئيس الأميركي كسب ودّ المملكة العربية السعودية المضيفة للمؤتمر، إذ اصطحب زوجته وابنته (المستشارة في البيت الأبيض - ايفانكا) التي اعتنقت اليهودية تمهيداً لزواجها من اليهودي غاريد كوشنير، حيث التقى عدداً من الرؤساء والأمراء والملوك المشاركين، ونزل الى ساحة «العرضة» فحمل السيف ورقص الى جانب العرب حاملي السيوف وضاربي الطبول، وهذا ما أكسبه تعاطفاً وشعبية لدى المشاركين والمراقبين والمتابعين عبر وسائل الإعلام من كل أنحاء العالم.
لم تأت الكلمات التي ألقيت في القمم الثلاث بجديد، كما لم يحمل بيان الرياض جديداً، سوى التركيز على حالة العداء التي تكنّها القيادة السعودية (وكذا القيادات الخليجية)، لإيران والقوى الداعمة لها في الشرق الأوسط، على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية خرجت منذ أيام قليلة من انتخابات رئاسية حملت الى رئاسة الجمهورية شخصية معتدلة وقعت مع الدول الغربية (5+1) اتفاقاً نووياً أنهى حالة العداء المستحكم بين إيران والدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية. وإذا كانت هناك مبررات لحالة العداء المستحكم بين أقطار الخليج وإيران، فلا مبرر لاستحكام العداء الأميركي، خاصة بعد وقف الحملات الإعلامية الإيرانية ضد أميركا، واسقاط الشعار القديم الذي حملته الثورة الإيرانية: (أميركا العدوّ الأكبر.. الموت لأمريكا.. وإسرائيل). وقد جاءت ردود الفعل الإيرانية على ما ورد في خطاب الملك سلمان والرئيس ترامب بالغة الاعتدال، إذ اكتفت بالعتب على القمم الثلاث أنها تجاوزت دعوة إيران إليها، وأن «استقرار المنطقة لا يمكن أن يكون من دون مساهمة إيران» كما قال الرئيس حسن روحاني تعليقاً على القمم الثلاث وبيانها الختامي.
ولو توقف الأمر عند هذا الحد لأمكن القول إن المملكة العربية السعودية نجحت في عقد قمة عالمية غير مسبوقة، وأنها نجحت في اخراج الرئيس الأميركي من بؤرة العداء للإسلام والمسلمين، الى مجرد العداء لحالات التطرف الإسلامي، التي يتجسد في «تنظيم الدولة» وبقية القوى المتطرفة التي يقاتلها التحالف الدولي في سوريا والعراق، لكن ترامب أدخل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مجموع القوى المتطرفة التي طالب أعضاء المؤتمر بمواجهتها والتصدي لها. وعلى الرغم من أن البيان الختامي للمؤتمر (بيان الرياض) لم يأت على ذكر «حماس»، الا أن ما فعله ترامب خلال زيارته لعدة مناطق من فلسطين المحتلة، كان أسوأ بكثير مما قاله في الرياض. فقد توجه ترامب صبيحة يوم الثلاثاء، في رحلة مباشرة بالطائرة، من الرياض الى الكيان الصهيوني، وهذه رحلة غير مسبوقة حرص من خلالها الرئيس الأميركي على مسح كل ما ترتب على زيارته للسعودية ومشاركته في مؤتمر القمم الثلاث. وقد حرص على زيارة مدينة القدس القديمة، وحائط البراق (المبكى عند اليهود) واعتمر قلنسوة سوداء تشبهاً باليهود، ثم توجه الى الحائط، ووضع قصاصة من الورق لا ندري ماذا حملته من كتابات. ثم توجه الى متحف إسرائيلي بالقدس، وخطب فيه قائلاً: «انه لن تطلق خلال رئاسته أية صواريخ على إسرائيل من قبل حماس أو حزب الله.. وأنه لن يسمح بأن يقوم بعض القادة بالدعوة الى تدمير إسرائيل.. وأن إدارته سوف تقف دائماً مع إسرائيل». وفي مؤتمر صحفي عقده ترامب مع الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو، صرح بأن من الخطأ أن يتم تخيير بلاده بين دعم إسرائيل ودعم الشعوب العربية، وأضاف أن إسرائيل لن تجد حليفاً وداعماً أقوى من الولايات المتحدة، سواء من الكونغرس أو من الرؤساء الأميركيين المتعاقبين. وكان من اللافت في تصريحات الرئيس الأميركي عدم تطرقه الى مطلب إسرائيل، وما كان وعد به خلال حملته الانتخابية، عن نقل سفارة واشنطن من تل أبيب الى القدس. والملاحظ أن ترامب لم يطلب من نتن ياهو تقديم أي خطوة باتجاه تحقيق السلام، وأنه أعطى الكيان الصهيوني ضوءاً أخضر ليواصل الاستيطان والقمع ضد الفلسطينيين.
الملاحظ أن زيارة الرئيس الأميركي للرياض استغرقت يومين كاملين، لكنها حملت توقيع اتفاقيات تجارية زادت قيمتها على 380 مليار دولار. أما زيارته للكيان الصهيوني فلم تتعدّ ثلاثين ساعة، في حين أنه في زيارته لمقرّ السلطة الفلسطينية في بيت لحم لم يتجاوز ساعة واحدة، التقى خلالها محمود عباس، وعقد لقاء صحفياً معه. رغم كل ذلك فإن ما سبق للرئيس الأميركي أن وعد به، وما أكد عليه في خطابه بمؤتمر القمة، أو في القدس بعد ذلك.. أعطى الكيان الصهيوني كل ما يريد، ولم يغادر تأكيده على ما سبق أن وعد به الكيان الصهيوني.
الأهم من كل ذلك، ما سوف يفعله الرئيس الأميركي لا ما سبق له أن قاله، سواء في خطبه أو مؤتمراته الصحفية أو غير ذلك. وما بات العالم ينتظره منه هو الأسوأ ما بين الرؤساء الأمريكيين أجمعين.}