العدد 1351 / 27-2-2019
الدكتور وائل نجم

قبل نهاية الأسبوع الماضي أعلن المجلس الدستوري قبول أحد الطعون المقدّم من أحد المرشحين عن المقعد النيابي السنّي في مدينة طرابلس، وأبطل المجلس بقراره نيابة النائبة ديما جمالي، وطلب من الأجهزة المعنية إجراء الإنتخابات في المدينة (الدائرة الصغرى) خلال مهلة شهرين من إعلان القرار، وفقاً للنظام الأكثري، وهذا يعني أن الانتخابات ستجري في طرابلس (المدينة) قبل الثاني والعشرين من شهر نيسان 2019 وفق النظام الأكثري، وعلى مقعد سنّي واحد فقط، إلاّ إذا حصل ما يعيدخلط الأوراق والأمور ويعيد البحث إلى المربع الأول.

المهم أولاً أن المجلس الدستوري ومن خلال قبوله لأحد الطعون، وحديثه عن عمليات تزوير أو تضليل أو أخطاء شابت العملية الانتخابية , يعترف بأن هذه العملية لم تكن شفّافة ونزيهة بما فيه الكفاية، وأن التزوير أو الخطأ الذي تم أثباته من خلال قبول الطعن في دائرة، قد يكون تكرر وعلى نطاق أوسع وأكبر في دوائر أخرى، ولكن لم يتم توثيق ذلك بشكل دقيق كما جرى في الدائرة التي قُبل الطعن فيها، وعليه فإن كل العملية الانتخابية باتت محل شكّ، وبالتالي فقدت مصداقيتها وشفافيتها، وتالياً صدقية التعبير عن إرادة الناخبين، ومن هنا لا تملك أي جهة سياسية أن تدّعي أنها الممثلة الوحيدة أو الأساسية لرأي وتوجهات الناخبين، خاصة وأن عدداً مهماً من المرشحين، وفي أكثر من دائرة انتخابية، شكا من أنه لم يحصل على صوته التفضيلي الذي أدلى به لنفسه في قلم الاقتراع الذي اقترع فيه، وبالتالي حُرم حتى من صوته، فكيف يمكن لنا أن نثق بأن هذه العملية نزيهة وشفافة وتمثّل حقاً وفعلاً وصدقاً إرادة الناخبين الحقيقية؟!

المجلس الدستوري بقراره إبطال نيابة أحد النواب، وضع بما لا يدع مجالاً للشك كل العملية الانتخابية في موضع الاتهام، ومن بعد اليوم ليس من حق أية جهة سياسية أن تتحدث عن تمثيل حقيقي ومصادرة لرأي الناخبين.

أما الأمر الثاني فإن مدينة طرابلس واعتباراً من لحظة إعلان قرار المجلس الدستوري تحوّلت إلى ساحة معركة انتخابية جديدة بين القوى السياسية التي تريد أن تتنافس على المقعد الشاغر. فما هي توجهات القوى الأساسية المتواجدة في المدينة؟

من الواضح أن تيار المستقبل، الذي اعتبر قبول الطعن بنيابة عضو الكلتة، ديما جمالي، نوعاً من الغدر السياسي، يتجه نحو إعادة ترشيح جمالي للمنافسة على المقعد الشاغر, حالياً في طرابلس، كنوع من ردّ الإعتبار من ناحية، ولتأكيد الحضور والفوز بالمقعد مرّة جديدة بما يدحض قرار الدستوري والطاعنين بنيابتها، وقد اتجه المستقبل إلى التحالف في هذه المعركة الانتخابية مع تيار العزم الذي يرأسه الرئيس نجيب ميقاتي، وقد ألمح ميقاتي إلى هذه التحالف في هذه المعركة , عندما أشار إلى أن الأولوية بالنسبة إليه في هذه المرحلة هي في التحالف مع الحريري، وعليه فإن خيار العزم في هذه المعركة سيكون بالوقوف إلى جانب جمالي، مع الإشارة إلى أن الحديث يجري في هذا السياق إلى ثمن قبضه ميقاتي مقابل هذا الموقف بترشيح شخصية لتولي رئاسة المنطقة الاقتصادية في طرابلس مكان الوزيرة ريّا الحسن. كما يجري الحديث عن تبادل منافع في بلدية طرابلس، بمعنى إجراء بعض التعديلات في المواقع البلدية بما يتيح للرئيس ميقاتي الإمساك بالبلدية ورئاستها.

إلى جانب العزم الذي سيقف مع المستقبل في هذه المعركة، من الواضح أن الوزير محمد الصفدي أيضاً يقف إلى جانب "المستقبل" فيها، فالحريري عيّن زوجة الصفدي في الحكومة، وبالتالي فإن وقوف الصفدي إلى جانب الحريري مضمون.

على الجانب الآخر من هذه المعركة يظهر الوزير السابق أشرف ريفي الذي أشار إلى أنه يدرس خياراته مع المجتمع الطرابلسي، ولم يتخذ بعد أي قرار بالمشاركة في هذه المعركة ترشحاً أو انتخاباً، ومن الواضح أن الوزير ريفي يتهيّب المعركة، ولا يريد أن يسجل خسارة إضافية تحسب عليه، وهو قد بدأ اتصالات سياسية مع بعض الأطراف الفاعلة في المدينة لاستيضاح موقفها، ولكنه حتى الآن لم يحسم موقفه من الاستحقاق.

كما يقف على هذا الجانب ايضاً الجماعة الاسلامية، وكانت قد رشّحت في الانتخابات السابقة الدكتور وسيم علوان في المدينة، إلا أنها حتى الساعة تدرس أيضاً الموقف، ولم يصدر منها ما يشير إلى أنها ستخوض هذا الاستحقاق , أو أنها ستدعم أحد المرشحين أو ستكتفي بالمراقبة وتترك لناخبيها حرية الاختيار.

في المقلب الآخر المنافس للمطعون بنيابتها، ديما جمالي، هناك تيار الكرامة، وهناك المرشح السابق طه ناجي، وهناك قوى الثامن من آذار في المدينة المدعومة من النظام السوري، وهذه الأطراف حتى الساعة أيضاً لم تعلن موقفاً واضحاً من الاستحقاق ترشحاً أو انتخاباً، وتشير المعطيات إلى أن كل طرف من هذا الفريق يدرس مصلحته وتأثير هذا الاستحقاق على حضوره ودوره ورصيده، وقد ألمح بعضهم إلى أن أحد أبرز خياراتهم قد تكون عدم ترشيح أي من أنصارهم إلى هذه المعركة.

تبقى الأمور مفتوحة على كل الاحتمالت بانتظار تحديد وزارة الداخلة موعداً للانتخابات وللترشح والانسحاب، وقتها ستكون الصورة ظهرت بشكل أكثر وضوحاً.

د. وائل نجم